الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

حكم الزواج من المرأة اللقيطة ومجهولة النسب.. «الإفتاء» تُجيب

الجمعة 06/مايو/2022 - 10:52 ص
هير نيوز

أرسل أحد الأشخاص على دار الإفتاء المصرية، يستفتيها ويسألها، وقال: "أنا شاب أبلغ من العمر 20 عامًا تقدمت لخطبة فتاة ذات دين وخلق كريم، إلا أن والدها أخبرني أنها لقيطة وأنه أحضرها من أحد الملاجئ وهي رضيعة، وأنا في حيرة لا أرى فيها عيبًا، ولا أريد أن أفرط فيها، وأخشى إن أخبرت والدي بذلك أن يرفض هذه الزوجة بحجة أن نسبها مجهول؛ فما حُكم الشرع في ذلك؟". 


 


حُكم الزواج من اللقيطة 


ويجيب عن ذلك السؤال، الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية، والذي قال: إن اشتراط الكفاءة في النسب إنما يكون في الرجل لا المرأة، لأنه هو الذي يبتدئ التوجُّه إلى مَن يريد الزواج بها، فموافقته على عدم الكفاءة متحقق، أما المرأة فهي التي تحتاج للنظر في حال مَن يتقدم لخطبتها هل هو كفء لها أو لا.  


 

وعليه: فلا مانع من الزواج بهذه الفتاة، لا سيما إذا كانت صاحبةَ دين وخُلُق كريم، وهو ما قرره أكثر الفقهاء معيارًا لاختيار المرأة في النكاح، ولا يضرُّ كونها لقيطةً أو مجهولة النسب. 




 

ومجهولة النسب هي التي تولَّى تربيتَها غيرُ أهلها ولا يُعرَف لها أب ولا أم؛ قال العلامة الشرواني الشافعي في "حاشيته على تحفة المحتاج" (7/ 397، ط. المكتبة التجارية): [(قوله: أما مجهولة النسب) أي بأن لا يُعرَف أبوها، وانظر هل يمكن مع جهل أبيها معرفة أن فلانة أختها أو عمتها، وقد يدعي إمكان ذلك، وحينئذ تُقدَّم نحو أختها على نساء الأرحام.. سم على حج. وبقي ما لو لم يُعرَف لها أب ولا أم ولا غيرهما كاللقيطة] اهـ. 

 
والكفاءة في الزواج تعني: المساواة، والمماثلة، والمقاربة بين الزوج والزوجة في أمور منها: النسب، والحرية، والديانة (الخلق والتدين)، والحرفة.. إلخ. 



 

تحقيق المساواة في أمور اجتماعية 

 
والغرض من اعتبار خصال الكفاءة التي منها النسب تحقيق المساواة في أمور اجتماعية من أجل توفير استقرار الحياة الزوجية، وتحقيق السعادة بين الزوجين؛ بحيث لا تُعَيَّر المرأة وأولياؤها بالزوج بحسب العرف، وعلى الرغم من ذلك فإن الفقهاء اختلفوا في تأثير هذه الغاية والغرض بحيث تصبح الكفاءة شرطًا في النكاح على رأيين: 

 
أولهما 


ما روي عن سفيان الثوري والحسن البصري وحماد، وابن حزم؛ وهو أن الكفاءة لا مدخل لها في شروط النكاح، فيصح النكاح ويلزم ولو انعدمت الكفاءة؛ قال الإمام البابرتي الحنفي في "العناية شرح الهداية" (3/ 295، ط. دار الفكر): [وكان سفيان الثوري يقول: (لا تعتبر الكفاءة فيه؛ لأن الناس سواسية)] اهـ. 
وقال الإمام السرخسي في "المبسوط" (4/ 24، ط. دار المعرفة): [ويحكى عن الكرخي رحمه الله تعالى أنه كان يقول: الأصح عندي ألا تعتبر الكفاءة في النكاح أصلا] اهـ. 


 
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (7/ 33، ط. مكتبة القاهرة): [اختلفت الرواية عن أحمد في اشتراط الكفاءة لصحة النكاح؛ فروي عنه أنها شرط له.. وهذا قول سفيان.. والرواية الثانية عن أحمد أنها ليست شرطًا في النكاح. وهذا قول أكثر أهل العلم. روي نحو هذا عن عمر وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز، وعبيد بن عمير وحماد بن أبي سليمان وابن سيرين وابن عون ومالك والشافعي وأصحاب الرأي... ولأن الكفاءة لا تخرج عن كونها حقًّا للمرأة، أو الأولياء، أو لهما، فلم يشترط وجودها.. والصحيح أنها غير مشترطة، وما روي فيها يدل على اعتبارها في الجملة، ولا يلزم منه اشتراطها؛ وذلك لأن للزوجة ولكل واحد من الأولياء فيها حقًّا، ومن لم يرضَ منهم فله الفسخ] اهـ. 




 

 
ثانيهما 


أن الكفاءة شرط معتبرٌ في النكاح، وهو ما عليه جمهور فقهاء المذاهب الأربعة. 
وقد استدل الجمهور على اشتراط الكفاءة عمومًا في النكاح بما رواه ابن ماجه والحاكم عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ». 

وأيضًا بما أخرجه الدارقطني والبيهقي في سننيهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَنْكِحُوا النِّسَاءَ إِلَّا الْأَكْفَاءَ، وَلَا يُزَوِّجُهُنَّ إِلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا مَهْرَ دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِم». 

ووجه الدلالة من الحديثين واضح في اعتبار الكفاءة بين الزوج والزوجة في النكاح، وأنه ينبغي للولي أن يزوج موليته من الأكفاء، لأن فَقْد الكفاءة تصرُّف في حق الغير بغير إذنه وهذا لا يصح؛ قال الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي في "المغني" (7/ 33، ط. مكتبة القاهرة): [ولأن التزويج مع فقد الكفاءة، تصرف في حق من يحدث من الأولياء بغير إذنه، فلم يصح، كما لو زوجها بغير إذنها] اهـ. 

وقد استدل من لا يرى الكفاءة في النكاح؛ بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]، وقوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: 3]، وبأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وهي قرشية أن تنكح أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وهو من الموالي؛ قال الإمام ابن حزم في "المحلى" (9/ 151، ط. دار الفكر): [وأهل الإسلام كلهم إخوة لا يحرم على ابنٍ مِن زنجية لِغِيَّةٍ نكاحُ ابنةِ الخليفة الهاشمي، والفاسق الذي بلغ الغاية من الفسق المسلم -ما لم يكن زانيًا- كفء للمسلمة الفاضلة، وكذلك الفاضل المسلم كفء للمسلمة الفاسقة ما لم تكن زانية] اهـ. وفلان لغِيَّة: بالكسر والفتح كلمة تقال في الشتم، كما تقول: لزنية أو لغير رشدة. 





وأيضًا بما رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن أبي نضرة قال: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلم فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ؟» قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلم.
 
قال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (5/ 99، ط. دار الحديث): [قوله: «أَلَا إنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ.. إلخ». هذه مقدمة لنفي فضل البعض على البعض بالحسب والنسب، كما كان في زمن الجاهلية؛ لأنه إذا كان الرب واحدًا وأبو الكل واحدًا، لم يبقَ لدعوى الفضل بغير التقوى موجب، وفي هذا الحديث حصر الفضل في التقوى ونفيه عن غيرها، وأنه لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بها] اهـ. 



 

المطالبة بالكفاءة في الزواج 


وكون المطالبة بالكفاءة تكون للمرأة لا للرجل هو ما أخذ به المشرع المصري؛ وذلك إعمالًا لنص المادة الثالثة من مواد الإصدار من القانون رقم 1 لسنة 2000م والتي نصت على أنَّه: [تصدر الأحكام طبقًا لقوانين الأحوال الشخصية والوقف المعمول بها، ويُعمَل فيما لم يرد بشأنه نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة] اهـ. 

ومذهب الحنفية في ذلك -كما سبق-: أنَّ الكفاءة معتبرة في جانب الزوج فقط دون الزوجة؛ جاء في "الهداية" للعلامة المَرْغيناني في تعليل ذلك: [لأنَّ الشريفة تأبى أن تكون مُستفرَشَة للخسيس، فلا بد من اعتبارها، بخلاف جانبها؛ لأن الزوج مُستفرِش فلا تغيظه دناءة الفراش] اهـ. 

 
وقد ورد في السنة المشرفة عدة أحاديث تحث على اختيار صاحبة الدين والخلق الكريم، فالذي يُراعَى عند الاختيار في المقام الأول هو الدين والخلق لا الحسب والنسب؛ منها: ما رواه الشيخان في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ». 

ومنها: ما رواه ابن ماجه في "سننه" عن عبد الله بْنِ عَمْرٍو قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ، فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ، وَلَا تَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ، فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ، وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ، وَلَأَمَةٌ خَرْمَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ». 

ومنها: ما رواه الترمذي في "سننه" عن أبي حاتم المزني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ قَالَ: «إذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ». 





 

اعتبار الكفاءة 

 
ففي هذه الآثار دليل على اعتبار الكفاءة، وأن الدين والخلق الكريم في المقام الأول، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عن الأسباب التي تُنكَح لها المرأة وأمر بذات الدين وجعله في المقام الأول بقوله: «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ»، وقوله: «وَلأَمَةٌ خَرْمَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ». 

 
وعلى ذلك فإذا كانت هذه الفتاة على دين وصاحبة خلق كريم، فالأولى الزواج بها، ولا يضر كونها لقيطة، أو مجهولة النسب، لأن المفاضلة عند الله عز وجل بالدين والتقوى دون الحسب والنسب؛ قال القاضي عبد الوهاب المالكي في "المعونة على مذهب عالم المدينة" (1/ 747، ط. المكتبة التجارية): [والكفاءة المعتبرة هي الدين دون النسب خلافًا لأبي حنيفة والشافعي في اعتبارهما للنسب؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾، فبيَّن أن المساواة شاملة وأن المفاضلة عند الله هي بالدين والتقوى، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ»، فاعتبر الدين والأمانة دون النسب، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» فأخبر عن أغراض النكاح فأمر بذات الدين وجعله العمدة، وقد علمنا أنه لا يأمرنا بغير الكفاءة] اهـ. 


وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَنِ»، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا خَضْرَاءُ الدِّمَنِ؟ قَالَ: «الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ فِي الْمَنْبَتِ السُّوءِ» رواه الدارقطني من طريق أبي سعيد الخدري، وقد تفرَّد به الواقدي. وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: إنه ضعيف. 


والدِّمَنُ جَمْعُ دِمْنَةٍ: وهي ما تُدَمِّنُه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها؛ قال العلامة ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" (2/ 134، ط. المكتبة العلمية): [والدِّمَنُ جَمْعُ دِمْنَةٍ: وهي ما تُدَمِّنُه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها: أي تُلَبِّدُه في مَرابِضِها، فربما نبت فيها النبات الحسن النضير] اهـ. 


والمراد من الحديث النهي عن تزوج المرأة لمجرد الإعجاب بحسنها وجمالها دون النظر إلى دينها وخُلُقها؛ ولذلك صرح فقهاء الشافعية والحنابلة باستحباب الزواج من ذات الدين بدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق؛ قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في "المهذب" (2/ 424، ط. دار الكتب العلمية): [والمستحب أن لا يتزوج إلا ذات دين؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه] اهـ. 


وقال الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي في "الكافي في فقه الإمام أحمد" (3/ 25، ط. دار الكتب العلمية): [ويستحب لمن أراد التزوج أن يختار ذات الدين] اهـ. 

 
وبناءً على ذلك: فإن اشتراط الكفاءة في النسب إنما يكون في الرجل لا المرأة؛ لأنه هو الذي يبتدئ التوجُّه إلى مَن يريد الزواج بها، فموافقته على عدم الكفاءة متحقق، أما المرأة فهي التي تحتاج للنظر في حال مَن يتقدم لخطبتها هل هو كفء لها أو لا. 


وفي واقعة السؤال: فلا مانع من الزواج بهذه الفتاة، لا سيما إذا كانت صاحبةَ دينٍ وخُلُقٍ كريم، وهو ما قرره أكثر الفقهاء معيارًا لاختيار المرأة في النكاح، ولا يضرُّ كونها لقيطةً أو مجهولة النسب. 
والله سبحانه وتعالى أعلم. 


اقرأ أيضًا..

حُكم لبس الدبلة واتخاذها علامة على الخطوبة والزواج.. «الإفتاء» تُجيب


ads