الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

«الإفتاء» تحسم الجدل حول حكم زيارة المقابر في العيد

الإثنين 02/مايو/2022 - 03:59 م
هير نيوز

مع الاحتفال بعيد الفطر المبارك، يستحب الكثير من الناس زيارة المقابر، وهو ما يكرهه البعض ويرى فيه حزنًا وغمًّا لا يجوز في أوقات الفرح والاحتفال بالعيد، ولكن لدار الإفتاء المصرية رأيا آخر تكشف عنه السطور التالية، مع فتوى فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية. 





 

حكم زيارة القبور في العيد 



ويقول الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية: إن زيارة المقابر مندوب إليها في جميع الأوقات؛ لأن الأمر بها جاء مطلقًا، فشمل ذلك جميع الأوقات، وتزيد أفضلية زيارتها في الأيام المباركة التي يلتمس فيها مزيد العطاء من الله تعالى، ومنها أيام العيدين؛ لما في ذلك من استشعار معاني الصلة والبر، والدعاء بالرحمة والمغفرة لمن توفي من الأهل والأقارب، ولْيُراعَ عدم تعمد إثارة الأحزان، وعدم التلفظ بألفاظ الجاهلية والاعتراض المنهي عنهما. 

 

استحبَّ الشرع الشريف زيارة القبور ورغَّب إليها؛ لما في زيارتها من تذكر الآخرة، والزهد في الدنيا الفانية، وترقيق القلوب القاسية، والردع عن المعاصي، وتهوين ما قد يلقاه المرء من المصائب. 
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «زُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ» رواه الإمامان أحمدُ ومسلمٌ، وأصحابُ السُّنن. 

 
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، ثُمَّ بَدَا لِي أَنَّهَا تُرِقُّ الْقُلُوبَ، وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ، فَزُورُوهَا، وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا» أخرجه الإمام أحمد في "المسند" واللفظ له، والطبراني في "المعجم الكبير". 






 

استحباب زيارة المقابر 




وجاء في الشرع استحبابُ زيارة المقابر في بعض الأيام التي اختصها الله تعالى بمزيد من الأفضلية؛ لما في الزيارة فيها من وافر الثواب وجزيل العطاء، وقبول الدعاء، كيوم الجمعة، والنصف من شعبان، ورأس الحول من كل عام، وموسم الحج. 
فأما عن استحبابها في يوم الجمعة، فقد تواردت النصوص أن من زار قبر أبويه كل جمعة غفر له وكُتب بارًّا: 
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ غُفِرَ لَهُ، وَكُتِبَ بَرًّا» أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط". 
وعن ابن عيينة عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تَزُورُ قَبْرَ حَمْزَةَ كُلَّ جُمُعَةٍ" أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في "المصنف". 
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" (2/ 242، ط. دار الفكر): [(قوله: وبزيارة القبور): أي لا بأس بها، بل تندب.. وتزار في كل أسبوع كما في مختارات النوازل. قال في "شرح لباب المناسك": إلا أن الأفضل يوم الجمعة والسبت والاثنين والخميس، فقد قال محمد بن واسع: الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويومًا قبله ويومًا بعده، فتحصل أن يوم الجمعة أفضل] اهـ. 





اقرأ أيضًا..

«الإفتاء» تكشف عن آخر موعد لإخراج زكاة عيد الفطر.. «لا تتأخر عنه»






 

إذا ورد استحباب زيارة المقابر في بعض الأيام لما فيها من مزيد فضل على غيرها، فإن القول بزيارتها في أيام العيدين أولى بالجواز والمشروعية؛ فإن يومي العيدين تزيد أفضليتهما وبركتهما ورجاء قبول الدعاء فيهما، فيتأكد فيهما استحباب الزيارة إذا التزم المسلم آدابَها وتقيد بضوابط الشرع فيها. 
وقد كان من سُنَّته صلى الله عليه وآله وسلم أن يذهب لصلاة العيد من طريق ويرجع من طريق آخر، وقد فسر العلماء أن من أسباب فعله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك أن يزور قبور أقاربه فيهما. 
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق" أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه". 


 
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أخذ يوم عيد في طريق، ثم رجع من طريق آخر" أخرجه أبو داود والدارمي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "السنن". 
قال الإمام الرافعي [ت623هـ] في "العزيز شرح الوجيز" (2/ 365، ط. دار الكتب العلمية): [وروي أن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم: "كَانَ يَغْدُو يَومَ الْفطرِ وَالأَضْحَى فِي طَرِيقٍ، وَيَرْجِعِ فِي طَرِيقٍ". واختلفوا في سببه؛ قيل: ليتبرك به أهل الطَّريقين، وقيل: ليُستفتى فيهما، وقيل: ليتصدق على فقرائهما، وقيل: ليزور قبور أقاربه فيهما، وقيل: ليشهد له الطريقان] اهـ. 
وقال العلامة شمس الدين الكرماني [ت786هـ] في "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري" (6/ 86، ط. دار إحياء التراث العربي): [(وخالف الطريق) أي كان الرجوع في غير طريق الذهاب إلى المصلى، والحكمة فيه: أن يشمل أهل الطريقين بركته وبركة من معه من المؤمنين، أو أن يستفتي أهلُهما منه، أو أن يدعو لأهل قبورهما، أو أن يتصدق على فقرائهما] اهـ. 



اقرأ أيضًا..





 



 

صلاة الرسول العيد في البقيع 




ومما يُستأنَس به في ذلك: ما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم من صلاته العيدين بالبقيع وهي مقابر المدينة، فلو كره صلى الله عليه وآله وسلم الذهاب للمقابر في الأعياد لتخير مكانًا آخر للصلاة غير الساحة المحيطة بالمقابر. 
فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أضحى إلى البقيع، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه، وقال: «إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا، أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ» أخرجه البخاري في "صحيحه". 
وعن الشعبي، قال: "كُنِسَ البقيع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم فطر أو أضحى" أخرجه أبو داود في "المراسيل" وعبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى"، والمزي في "تحفة الأشراف". 
 

قال العلامة شمس الدين الكرماني في "الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري" (6/ 79، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: (البقيع) موضع فيه أروم الشجر من ضروب شتى، وبه سمي بقيع الغرقد وهي: مقبرة المدينة] اهـ. 
وقال العلامة القسطلاني في "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" (2/ 221، ط. المطبعة الكبر الأميرية): [(خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يوم أضحى) وللأصيلي: يوم الأضحى إلى البقيع، مقبرة المدينة (فصلّى العيد ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه) الكريم] اهـ. 
وزيارة المقابر في الأعياد مما اعتاده المسلمون عبر القرون في العصور السابقة وهلم جرًّا إلى يوم الناس هذا، ولم ينكر عليهم ذلك أحد. 

 
ففي "الكامل في التاريخ" (4/ 353، ط. دار الكتاب العربي) للعلامة ابن الأثير [ت630هـ] في حديثه عن وفاة المعتمد بن عباد أحد ملوك دولة الأندلس: [وكان شاعره أبو بكر بن اللبانة يأتيه وهو مسجون، فيمدحه لا لجدوى ينالها منه، بل رعايةً لحقه وإحسانه القديم إليه. فلما توفي أتاه، فوقف على قبره يوم عيد، والناس عند قبور أهليهم] اهـ. 



اقرأ أيضًا..

حكم صلاة العيد للحائض وهل يجوز لها دخول المسجد للاحتفال؟.. «الإفتاء» تجيب





 


وأما القول بالنهي عن زيارتها في الأعياد لأنها أيام فرح وسرور، وزيارة المقابر سببٌ لتجديد الأحزان، فالجواب من أربعة أوجه: 
الأول: أنه ليس كل استدعاء للحزن منهيًّا عنه، بل قد حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على تذكر بعض المصائب الماضية واستحضارها إذا كان في تذكرها عزاءً للمرء وتهوينًا لما يصيبه في حاضره من أمور متجددة قد توقعه في القنوط واليأس لولا تذكره شيئًا من المصائب الماضية التي هونها الله تعالى عليه، وأعظم ذلك: مصيبة الأمة بوفاة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. 
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، «إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي؛ فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ» أخرجه الصنعاني في " المصنف"، والدرامي في "السنن"، والطبراني في "المعجم"، والبيهقي في "شعب الإيمان". 

 
الثاني: أن النهي عن تجديد الحزن إنما هو فيما يكون مدعاةً للقنوط والاعتراض على قضاء الله تعالى، فأما ما كان مصاحَبًا بالتسليم والصبر والاحتساب، فإن صاحبَه مأجور محمود مثاب؛ فعن فاطمة ابنة الحسين، عن أبيها رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَأَحْدَثَ اسْتِرْجَاعًا وَإِنْ تَقَادَمَ عَهْدُهَا، كَتَبَ اللهُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَهُ يَوْمَ أُصِيبَ» أخرجه الإمام أحمد وابن أبي شيبة، وأبو يعلى في "المسند"، وابن ماجه في "السنن". 

 
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زار القبور في بعض أيام النصر؛ وهي أيام فرح وسرور، ولم ير في ذلك غضاضة ولا حرجًا، فورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه زار قبر أمه السيدة آمنة بنت وهب رضي الله عنها مرجعَه من تبوك، ويوم فتح مكة، وهما يوما فرح ونصر. 

 
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر، فلما هبط من ثنية عسفان أمر أصحابه أن يستندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم، فذهب فنزل على قبر أمه فناجى ربه طويلًا" أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة". 

 
وعن بريدة رضي الله عنه قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة أتى حرم قبر فجلس إليه، فجعل كهيئة المخاطب، وجلس الناس حوله، فقام وهو يبكي، فتلقاه عمر رضي الله عنه وكان من أجرأ الناس عليه فقال: بأبي أنت وأمي، يا رسول الله ما الذي أبكاك؟ قال: «هَذَا قَبْرُ أُمِّي؛ سَأَلْتُ رَبِّي الزِّيَارَةَ فَأَذِنَ لِي، وَسَأَلْتُهُ الِاسْتِغْفَارَ فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، فَذَكَرْتُهَا فَذَرَفَتْ نَفْسِي فَبَكَيْتُ» رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، والإمام أحمد في "مسنده"، وابن شبة في "تاريخ المدينة"، والطبراني في "المعجم الكبير". 

 
الرابع: أن الأعياد هي زمان اجتماع الناس وتزاورهم؛ ذلك لأن أكثر ما يُسعد الإنسانَ لقاؤه بمن يحب، فإذا حال دونه الموتُ فإن موضع دفنه ومرقده يكون هو أحب الأماكن إليه، وفيه تأنس روحه باستشعار معنى البر بالمتوفى، والدعاء له، والسلام عليه، فزيارة القبور حينئذٍ أدعى أن تكون سببًا من أسباب سعادة زائريها، وسكون أرواحهم، لا من أسباب تجدد أحزانهم، وإن صاحب ذلك بكاءُ الشوق والفقد، إلا أن سعادة الوصل تخفف ألم الوجد. 



وبناءً على ذلك: فزيارة المقابر مندوب إليها في جميع الأوقات؛ لأن الأمر بها جاء مطلقًا، فشمل ذلك جميع الأوقات، وتزيد أفضلية زيارتها في الأيام المباركة التي يلتمس فيها مزيد العطاء من الله تعالى، ومنها أيام العيدين؛ لما في ذلك من استشعار معاني الصلة والبر، والدعاء بالرحمة والمغفرة لمن توفي من الأهل والأقارب، ولْيُراعَ عدم تعمد إثارة الأحزان، وعدم التلفظ بألفاظ الجاهلية والاعتراض المنهي عنهما. 

 
والله سبحانه وتعالى أعلم. 
 

 
 

ads