بريد «هير نيوز».. ظلال النسيان
الأربعاء 19/يناير/2022 - 10:36 م
أمل محمد أمين
أرسلت إحدى القراء رسالة قالت فيها: "أنا سيدة متدينة وعلى خلق والحمد لله ويقولون دائما أنني على قدر كبير من الجمال والمرح، وقد توفي أبواي وأنا في العشرين من عمري وتزوجت من رجل يشغل مركزا مرموقا وعملت بالتدريس، وكأي فتاة أقبلت على حياتي الزوجية وكلي رغبة في السعادة والاستقرار والإحساس بالأمان وخاصة بعد أن أصبحت يتيمة الأبوين ولكني ومنذ شهوري الأولى في الزواج بدأت معاناتي مع زوجي واحتمالي لقسوته وإهانته، وبعد أن أنجبت الأبناء ذقت معه كل ألوان العذاب وأشكاله، فهو سليط اللسان ويتفوه بألفاظ قذرة أمام الجيران وأمام الجميع .. وكان يقف في شرفة البيت ويطلب من ابني الطفل أن يناديني قائلا بصوت مرتفع يسمعه كل الجيران: ناد الحيوانة التي بالداخل! .. فيجيئني ابني وهو يرتجف، وأخرج إليه صاغرة ليحاسبني حساب الملكين بأقذر لغة وبأعلى صوت ممكن، هذا عدا السُباب طوال اليوم بمناسبة وبلا مناسبة، وإيذاءنا أنا وأولادي بالضرب المبرح.. وتقطيع ملابسي أمام عيني وقذفنا لأي سبب تافه بأي شيء تصل إليه يده كالمكواة أو المنبه أو الحذاء .. وأنا ضعيفة الجسم والصحة ولا سند لي في الحياة يدافع عني أو يغضب لي، وهو قوي البنية ومغتر فلا أملك إلا البكاء والتضرع إلى الله والاحتساب عنده ، وتذكير نفسي بأن الله يمهل ولا يهمل ولا يمكن أن يتركني للنهاية تحت رحمة من لا يرحم ضعفي وقلة حيلتي وانكساري معه على طول الخط فضلا عن أنانيته وتفضيله لنفسه على أولاده في المصروف والطعام، حتى ساءت صحتي تماما وازداد هزالي ونقص وزني إلى 51 كيلو جراما فقط وهو يتمادى في ظلمه لنا.. وازداد سوءا بعد إحالته للتقاعد من وظيفته المرموقة".
مرض الزوج
وفجأة يا سيدي مرض زوجي وانهار هذا الجبل بلا مقدمات واحتار الأطباء في مرضه ثلاث سنوات لم أقصر في أداء واجبي في خدمته خلالها، ثم توفاه الله بعد أن أثقلتنا الديون ولم يترك لي سوى المعاش وأبنائي الثلاثة الذين شاركوني أتعس الأيام وأسوأ الذكريات.. فنهضت لتحمل مسؤوليتي وقمت بسداد جميع الديون والحمد لله والشكر له، ثم قمت بتغيير أثاث المنزل كله وإعادة تنجيد حجرة النوم والصالون، كأنما أريد أن أغير المناخ التعيس الذي عشت فيه وأهدرت فيه أحلى سنوات العمر من العشرين حتى بلغت مشارف الخمسين، وبدأت استعيد صحتي حتى بلغ وزني 71 كيلو جرام والحمد لله.. وتفرغت لرعاية أبنائي وتعويضهم ما حرمت منه من الحنان والفهم والرعاية خلال سنوات الطغيان، فتخرج الأكبر وعمل بإحدى الشركات وخطب فتاة جميلة طيبة تعمل بوظيفة مرموقة وسعدنا بخطبته وسعد بها، وتخرج الآخر ويستعد الآن للسفر للخارج وسوف أرسل له بالعروس التي يختارها في أي مكان يحل به وتحفظه فيه رعاية الله وفضله .
أما أصغر الأبناء الذي تكرر رسوبه في الإعدادية بسبب ما عاناه معنا.. فلقد نجح والحمد لله والتحق بالتعليم المتوسط ويواصل النجاح فيه بلا تعثر.
العمرة والغُسل بماء زمزم
ثم أحسست ذات يوم ببعض الألم في عيني وشخصه الطبيب بأنه ضغط بالعين ووصف لي الدواء، فعالجت نفسي.. لكني طلبت من الله أن أغسل وجهي بماء زمزم فإذا به يستجيب لدعائي وقمت بأداء العمرة وزيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، وتوضأت وغسلت عيني بماء زمزم وتحسنت صحتي كثيرا والحمد لله ولم يعد ينقصني سوى أداء فريضة الحج، وسوف أؤديها بأمر الله الذي عوضني عن أجمل سنوات العمر التي ضاعت في العذاب والحرمان والإهانة أمام الناس وأكرمني بفضله العظيم بعد العناء ، وأريد أن أقول لكل من يغتر بقوته وصحته أو مركزه أو ماله .. أنه لا شيء يدوم وكل شيء إلى زوال ولا يبقى سوى المعاملة الطيبة بين الناس فلا تضيعوا سنوات العمر في تعذيب الآخرين وإتعاسهم حتى لا يحملوا لكم أسوأ الذكريات وحتى لا تتعرضون لعقاب الله الذي يمهل حقا .. ولا يهمل أبدا ..
والسلام عليكم ورحمة الله .
ولكاتبة هذه الرسالة أقول
هناك ثمن يدفعه الناس دائما لأفعالهم ، ولابد أن يحل أجل السداد ذات يوم فإن لم يحل في الدنيا تأجل إلى الآخرة وتضاعفت فاتورته وأضيف إليها سوء الذكرى ولعنة التذكر، وبالرغم من أن الحياة السعيدة تتطلب دائما ذاكرة ضعيفة تسقط منها إساءات الغير لنا لكي تستقيم لنا الحياة ونستمتع بسلام النفس إلا أنه في بعض الأحيان قد يعجز الإنسان عن النسيان حتى لأتصور أحيانا أنه لا السيئة تنسي لصحابها بعد حين ولا العمل الطيب ينسى أيضا لصاحبه وإن بدا للعيان عكس ذلك كأنما نقول مع الأديب الفرنسي جوستاف فلوبير أنه " بينما يواصل جسدي رحلته إلى الأمام .. فإن أفكاري لا تفتأ تلتفت إلى الخلف وتعود إلى الأيام الماضية " أو كأننا نمشي إلى الأمام وأفكارنا تمشي في الطريق العكسي إلى أيامنا الماضية .. فإن كانت سعيدة فإلى ذكريات سعادتنا وإن كانت شقية فإلي ذكريات التعاسة والشقاء ورغم سطوة الماضي على الإنسان فإنه ليس من العدل أن نسمح لما شقينا به في أيامنا الماضية بأن يفسد علينا ما تبقى لنا من رشفات الحياة ، ولابد أن ينتزع الإنسان نفسه من مرارته وعذاباته القديمة ويمضي إلى الأمام بقلب يخفق بالأمل في رحمة ربه.
واجب الزوجة والأم
وأنتِ يا سيدتي قد فعلت كل ما أملاه عليكِ واجبك كزوجة وأم اختارت أبناءها وقاسمتهم ظروفهم وحياتهم وصبرت على ما تكرهين حتى زالت أسباب الشقاء ووصل أبناؤك إلى بر الأمان وتفتحت السبل أمامهم، واستعدت أنت رونقك وصحتك وسعدت بأبنائك وسعدوا بك، فامسحي ظلال هذا الماضي التعيس عن كتفيك.. ولا تعيشي أسيرة لذكرياته المريرة ولا تنقصي من أجر الصابرين الذين يوفيهم الله أجرهم بغير حساب بذكر زوجك بسوء أمام الغير وبالذات مع أبنائك.. ولا تطلبي له من ربه إلا الرحمة والمغفرة ولا يكون ممن " لم يتركوا الذنوب.. حتى تركتهم الذنوب " أي حتى عجزوا عن أن يقترفوا المزيد منها.
وجددي حياتك وعلاقاتك العائلية والاجتماعية كما جددت بيتك لكي يشغل ذلك عن اجترار الأحزان، أما ندائك الأخير فمما يستحق فعلا أن يتأمله كل إنسان رجلا كان أم امرأة ويتفكر فيه طويلا ويعمل به .. لكيلا يغتر بشيء من متاع الغرور ولكي يصنع لنفسه بعد موته ذكرها ولكي يعرف جيدا أن ذاكرة الأفراد كذاكرة الشعوب قد تنسى كل شيء وأي شيء .. لكنها لا تنسى أبدًا من قهرها وأذلها .. ولا تغفر له ذلك وإن طال المدى!
اقرأ ايضًا..