وقفت عند المنعطف الأخير من العقد الرابع، ولم تهزم السنون حسنها الرائع، كما لم تهزم الأيام الماضيات فتنة الجسد، ولعل هذا ما جعل خطابها من الرجال كثيرين، فوق تصور الحسبان، ومنذ سنوات تعيش مرارة الخلاف مع زوجها، إلى أن بلغ بها السعي باب مأذون الحي، طرقته وبصحبتها رجل كامل الأوصاف، ومن حولها مجموعة من المعارف، قد حضروا للشهادة على عقد زواجها، ولم يخل وجودهم من 'عين حسود'.

عين الحسود

فحسناء الحي ستتزوج من مهندس مقاول يمتلك إلى جانب وسامته شركتين إحداهما للمقاولات والأخرى للتوكيلات، وقد كان زميلًا لها منذ أيام الدراسة ويماثلها في العمر فهو في الثامنة والثلاثين وتزوج مرتين، لكن لم يوفق، ولم ينس أيام التلامذة عندما كانت هي راهبة عشقه الصام، ثم لم ينس عندما شاهدها فيما بعد مصادفة في إحدى الشركات فجذب بقوة ماضي الغرام إلى حاضر الأيام، وتحولت الشركة التي تعمل بها إلى قبلة للهوى، يقصدها من آنٍ لآخر ليشاهدها، خصوصًا عندما علم أنها في طريقها لنيل حكم محكمة بالطلاق، وعلم أنها لم تكن أبدًا سعيدة مع الآخر، عندما طرقت باب المأذون وانفتح، دخلوا جميعًا إلى قاعة خصصها الشيخ لاستقبال ضيوفه، وصافحهم واحدًا واحدًا، ثم جلس ولم تخل جلسته من 'عين حسود'، ولم يزل يختلس النظرات من فيض الحسن الطاغي، واستعد لإجراء مراسم عقد القران، وعندما سألها عن حالها أخبرته أنها حاصلة على حكم من محكمة بتطليقها من زوجها السابق، فطالبها بتقديم شهادة من محكمة النقض تؤكد أن زوجها السابق لم يطعن بالنقض في حكم الاستئناف، تراشق الحاضرون النظرات فيما بينهم، وشعروا بالورطة والحرج يحيط بهم من كل صوب، دخلوا في سلسلة من المجادلة مع المأذون ومع بعضهم البعض، وطال الجدل حتى يئست فاعتدلت في جلستها وأرادت أن تحكي قصتها، لكن أمها استوقفتها وتسلمت منها زمام الكلام.

درة أولادي

قالت الأم: وهبني الله الأولاد منهم البنون والبنات، أما هي فكانت درة الجميع، منذ أن فتحت عيناها على الدنيا والحسن حالها، كانت تخطر في قلوبنا قبل أن تمشي على الأرض، ولم يسعها مكان إلا وهي أجمل من فيه، وحينما خطت مشوار الدراسة اكتشفنا فيها ذكاء يندر أن يجتمع مع الجمال، تفوقت في كل مراحل التعليم حتى حصلت على الشهادة الجامعية في العمارة، وكان نجاحها بتفوق واضحًا، حتى إن العمل كان يسعى إليها، والتحقت بالشركة الأولى ولم يمض شهر حتى فوجئنا بصاحب الشركة يطرق بابنا ويطلب يدها للزواج، كان يكبرها بنحو عشرين عامًا، وألقى تحت قدميها شبكة من المجوهرات تصل إلى خمسين ألف جنيه، وأعلن أنها لن تقيم معه سوى في فيللا تليق بحسنها، وللحق انبهرنا بالعروض لدرجة أننا نسينا الحديث في شأن زواجه الأول، فقد كان متزوجًا وبعصمته زوجة ويعول طفلًا، لكن البريق أنسانا التحقيق، وقبلناه لابنتنا زوجًا، وحقق كل ما قال، فقد تم زفافهما في الفيلا التي تحدث عنها، وأهدى إليها سيارة فارهة لتذهب بها إلى شركته حيث عملها، ورفعها درجات فشغلت موقع مدير التصميمات.

اقرأ أيضًا..

هل تعرفين عقاب الزوجة الخائنة للأمانة؟

يغار من الشغالات

تستكمل: ومضت أيام السعادة سريعة كالعادة، ووقع أول شجار ثقيل العيار فجاءت إلينا غضبانه، ألقت بسيارتها أمام العمارة التي تقيم فيها وصعدت إلينا تشكي فعل زوجها، قالت إنه يحاول أن يجعلها تترك العمل متحججًا بشتي العلل، لا سيما أنها لا تحتاج للمرتب الذي تتقاضاه من شركته، ثم حضر الزوج ولهانًا، وتوسل إليها أن ترجع فلا حياة بدونها، وطالبها في نفس الوقت بطاعته وترك العمل ووعد بأن تحصل على راتبها دون عمل، وأمام إصراره وحبه وافقناه وأقنعناها بترك العمل من أجله، وانصرفا إلى حيث حياتهما، لكن لم يكتمل الشهر وإذا بها قد حضرت، وألقت بالسيارة في جراج العمارة التي نسكن بها وصعدت إلينا شاكية، أخبرتنا أنه منعها من الذهاب إلي النادي، كما منعها من الخروج بمفردها، قالت إنها صارت حبيسة الجدار والحديقة وحمام السباحة، وعندما حضر دافع عن موقفه، قال إنه يحبها بجنون ولا يتخيل أن يمد أحد غيره عينيه إليها، لا يتخيل أن يسمع أحد غيره صوتها، أعلن أنه يغار عليها بجنون فالتمسنا له العذر، لكن أخبرناه بأمر قطعي؛ حيث إذا حضرت إلينا غاضبة مرة أخرى فلن تعود إليه، وافق واصطحبها وانصرف بها إلى حيث يعيشان معا، لكن لم يكتمل الشهر وإذا بها قد حضرت إلينا شاكية باكية، قالت إنه قطع أسلاك التليفون ومنعها من التحدث إلى أحد، قالت إن صحته تغيرت عن ذي قبل، ولم يعد يقوى على مهام الغرام، وقالت إنه يحترق حزنًا وغيرة، إنه يغار من الشغالات.

الطلاق

 فلم نجد أمامنا سوى أن أودعنا سيارة ابنتنا في مكان أمين وتمكنا من جلب مجوهراتها وحليها وبعض المال الذي ادخرته من راتبها الذي تقاضته أثناء عملها في شركته، استطعنا احتجاز حقوق ابنتنا قبل الأزمة، وعندما حضر كان شبه منهار، طالبناه بالطلاق فثار، ولجأنا إلى القضاء، وتمكنا من الحصول على حكمين بتطليق ابنتنا، الأخير من محكمة الاستئناف، ألا يكفى حكم محكمة الاستئناف، لقد التحقت بشركة أخرى، ويبقى أن تلتحق برجل آخر.

قانون الأحوال الشخصية

قال المأذون: إن قانون الأحوال الشخصية نص على أن لا تنفذ الأحكام الصادرة بفسخ عقد الزواج أو بالطلاق إلا بعد انقضاء مواعيد الطعن عليها أمام النقض، فإذا كان الطرف الثاني قد طعن عليها خلال 60 يومًا من تاريخ إيداع صحيفة الحكم عند ذلك يستمر عدم تنفيذ الحكم لحين الفصل في الطعن، فإذا قبل الطعن يقف تنفيذ الحكم لحين الفصل في القضية أمام النقض، أثناء انصرافهم قالت الأم: ارحمنا يا رب من 'عين حسود'.