الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

بريد «هير نيوز».. الابتسامة المُعبرة

الأربعاء 12/يناير/2022 - 04:45 ص
هير نيوز


بداية الحكاية
أكتب إليكِ لأبثك بعض أفكاري ولأجد لديكِ ما يخفف عني بعض شجوني, فأنا رجل في الخامسة والخمسين من العمر.. أعمل مهندسا استشاريا.. كان أبي موظفا بسيطا.. يكافح لتعليم أبنائه الأربعة وتوفير الحد الأدنى لهم من إمكانات الحياة, فنشأت وأنا أعرف جيدا أنني لا أملك خيار الفشل أو الرسوب في الدراسة.. لأن من واجبي أن أعين أبي علي أمره بالنجاح والتفوق, وبالفعل فلقد مضت رحلتي الدراسية بلا تعثر حتى بلغت السنة الثالثة من دراسة الهندسة.. وكانت لنا زميلة جميلة يوحي مظهرها بأنها من أسرة كريمة فتنافس الزملاء الوجهاء والقادرون ماديا على لفت نظرها واكتساب مودتها, وأدركت أنا من الوهلة الأولى أنني غير قادر على المنافسة.. فانطويت على نفسي واكتفيت بالمراقبة عن بعد..

وواصلت الاهتمام بدراستي دون أدنى أمل في الفوز.. إلي أن جاء يوم وفوجئت بهذه الزميلة الجميلة تطلب مساعدتي لها في شأن من شئون الدراسة وتقول لي إنها لجأت إلي دون غيري من الزملاء لإحساسها بأنني لن أسيء فهم تصرفها ولن أفسره تفسيرا خاطئا.. وتلعثمت وأنا أؤكد لها أنني على استعداد لفعل أي شيء تريده في إطار الزمالة والاحترام فقط لا غير, وابتسمت شاكرة وبدأ تعاوننا الدراسي معا من هذه اللحظة.. واستمر حتى نهاية العام الدراسي دون أية كلمة خارجة على الإطار الذي اخترته وافترقنا بعد أداء آخر الأمتحانات, وأنا أؤكد لها أنها ستنجح بتفوق هذا العام, وفي العام التالي واصلنا الدراسة والتعاون معا بنفس الطريقة.. واشتركنا معا في مشروع واحد للتخرج وتبادلنا المودة الصافية والاحترام إلي أن أوشكنا علي إتمامه.. وفي اليوم الأخير منه سألتني سؤالا مباغتا هو: لماذا لم أحاول أبدا لفت نظرها إلي كما فعل معظم زملاء الدفعة.. واحمر وجهي خجلا.. ثم استجمعت شجاعتي وقلت لها إنني شاب بسيط ووالدي موظف مكافح وليس لدي من المؤهلات المادية والاجتماعية ما يؤهلني للأمل في مودتك ذات يوم.. فكان هذا الحوار هو بداية قصتي الطويلة معها فلقد شجعتني علي الثقة في نفسي وفتحت أمامي بابا عريضا للأمل في السعادة معها.. وأكدت لي أنها ستقف إلي جانبي إلي أن أصنع نجاحي وأحقق أحلامي وأتجاوز كل صعاب الطريق, وتعاملت معي دائما بثقة واحترام.. وعرفتني بشقيقها الذي يدرس بكلية الطب.. وحرصت علي أن تعرف مني كل دقائق حياتي العائلية, وأعجبت كثيرا بكفاح أبي في الحياة.. وحسن تدبير والدتي لحياتنا البسيطة, وتخرجنا في كلية الهندسة وعمل كل منا في مكان مختلف.. وبعد عام آخر شجعتني علي طلب يدها من والدها التاجر الميسور, وأكدت لي أن المسألة المادية لن تكون عقبة في طريقي لأنها قد اختارت من تثق في أنها ستسعد بحياتها معه, وفاتحت أبي بالأمر كله.. فأشفق علي من الاحساس بالضآلة تجاه أسرتها الميسورة.. وأعرب لي عن حزنه لأنه لا يستطيع أن يقدم لي ما يعينني به علي تحقيق هذا الحلم.. لكنه بالرغم من ذلك لم يعترض علي رغبتي في التقدم لأبيها.. وصاحبني إليه.. وهو يدعو الله ألا يحدث خلال اللقاء ما يجرح مشاعري أو يكسر قلبي, ومضت جلسة التعارف الأولي دون أن يعكر صفوها شيء.. وشعرت ـ وأبي كذلك ـ بالارتياح الشديد لوالدها المتدين المتواضع, وأثلج صدرينا قوله لنا إنه يثق في حسن اختيار ابنته ولذلك فإنه لن يتحدث في الماديات أبدا ولن يطالبني إلا بأن أثبت جدارتي بإعجاب ابنته وثقتها في وحسن رعايتي لها..



الحلم يكبر

ومضت الأمور بعد ذلك كأنها حلم من الأحلام السعيدة.., وتمت الخطبة بدبلتين فقط في حفل عائلي صغير.. وأصبحت خطيبتي محور حياتي وأحلامي واهتماماتي, وبعد ثلاث سنوات من الكفاح المرير تخللتها سنة من العمل في الخارج, استطعت تدبير مقدم شقة صغيرة في حي مقبول.. وبمساعدة خطيبتي لي سرا أتممت كل استعداداتي للزواج وتزوجنا وبدأنا حياتنا الزوجية السعيدة.. ولازمني التوفيق في حياتي العملية بفضل اطمئنان قلبي إلي جوار زوجتي الجميلة الطيبة المتدينة. وعشنا معا أجمل سنوات العمر.. وأنجبنا طفلة رائعة الجمال كأمها وطفلا خفيف الظل مثلها.

وانطلقت أكافح في الحياة وأرجع إلي عشي الصغير فأجد لدي زوجتي وطفلي ما يعوضني عن كل شقاء الرحلة. وأتيحت لي فرصة العمل في الخارج أكثر من مرة, فاشترطت في كل مرة أن تعمل معي زوجتي في نفس المكان.. لكيلا نفترق بعد أن جمع الله شملنا.. وعملنا معا بالفعل4 سنوات في احدي الدول العربية الافريقية.. واشترينا شقة أكبر وسيارة وأصبح لنا رصيد مشترك في البنك, ورجعنا حين استشعرنا حاجة الأبناء لأن ينشأوا بين أحضان الأهل وفي حمايتهم.. ومضت حياتنا كلها كرحلة جميلة معطرة بالحب والتفاهم والوئام, وأيا كان ما يحدث بيننا من أمور الحياة المألوفة.. فلقد تعاهدنا منذ اليوم الأول لاجتماع شملنا علي ألا يبيت أحدنا وهو غاضب من الآخر لأي سبب.. ولاحظت علي نفسي مع تقدمي في العمر, أنني أصبحت لا أستشعر الراحة والأمان إلا إلى جوار زوجتي, وحين تقدم الابنان في مدارج العمر وأصبح لكل منهما رغباته ومطالبه وشخصيته لمسا بسهولة عمق روابط الحب والتفاهم التي تجمع بيني وبين أمهما.. ومنذ سن الرابعة عشرة بدأت ابنتي الكبري تعلن لأمها أنها لن تتزوج ذات يوم إلا إذا جمعها حب كبير بزوجها كما هو الحال بين أبويها.



أحزان 

وعبرت بنا ككل البشر أحزان الحياة المألوفة.. فلم تحفر بصمتها الغائرة في نفوسنا لأننا احتمينا منها بحب كل منا للآخر وعطفه عليه ومواساته له, فمات أبي رحمه الله وبكيته كثيرا وبكته زوجتي أكثر, ومات والدها فتساندنا معا على مواجهة المحنة.. ولقي أخ أصغر لي مصرعه رحمه الله في حادث سيارة فكدت أفقد صوابي لولا عطف زوجتي علي ومواساتها لي, وتخرجت ابنتي في كليتها واستوت زهرة فواحة تسر العيون وتخرج أبني في احدي كليات القمة وأراد استكمال دراسته في أمريكا فجزعت لفكرة افتراقه عنا 4 سنوات أو تزيد.

 لكن زوجتي الحكيمة هونت علي الأمر وأقنعتني بألا أقف حجر عثرة في طريق طموح ابننا.. وأكدت لي أنه سيرجع إلينا ذات يوم ولن يتخلى عنا أبدا, فوافقت علي مضض.. ثم أبلغتني زوجتي ذات يوم وهي تبتسم ابتسامة معبرة أن هناك من يرغب في التقدم إلي ابنتي لكن إمكانياته المادية لا تشجعه على ذلك.. وأن ابنتي ترغبه.. وتحبه بعمق وتأمل في أن نتجاوز عن ضعف امكانياته لإسعادها ومساعدتها علي اجتماع شملها به, فنظرت إليها طويلا وقرأت في عينيها ما لم تنطق به.. وأكملت في ذهني بقية كلامها فتخيلتها تقول لي إن هذا الشاب الذي يحب ابنتنا بشدة يكرر قصة شاب آخر مكافح إعانته فتاته منذ سنوات بعيدة على أمره لكي يتقدم إليها.


قصة حب
ولم أجد بدا من أن أكون متفهما وعطوفا مع هذا الشاب المكافح حرصا على إسعاد إبنتي كما فعل والد زوجتي معي قبل27 عاما وتلألأ بالسعادة والابتهاج وجه ابنتي الحبيبة وقررنا أن يتم الزفاف بعد ثلاث سنوات.. واتصلنا بابننا الغائب نبلغه بخبر خطبة أخته, وسعدت زوجتي في هذه الفترة سعادة طاغية وأشرق وجهها الجميل الذي لم يؤثر فيه الزمن بالبهجة والسرور, وأصبحت أسرار ابنتها الصغيرة مع خطيبها هي مادة حديثهما الهامس المتصل بلا انقطاع بينهما, وازداد الهمس الخافت بينها وبين ابنتها حتي كاد يستثير غيرتي أكثر من مرة, فصرخت فيهما ماذا تخفيان عني من أسرار؟ فتنفجر زوجتي ضاحكة في سرور وتقول لي إنها أسرار بنات ليس من حقي أن أعرفها!


بداية النهاية 

وفي قمة هذه البهجة والسعادة صحت زوجتي من نومها ذات يوم وهي تشعر بإعياء شديد فاعتذرت عن عدم الذهاب إلي العمل وأمضت يومها في الفراش.. ورجعت من عملي فوجدتها مازالت تشكو الإعياء, فلم أخلع ملابسي وخرجت علي الفور لاستدعاء الطبيب, وجاء الطبيب وفحصها بعناية, وكتب لها بعض الأدوية وانصرف.. ولم تتحسن حالة زوجتي بالعلاج.. فاصطحبتها إلى طبيب آخر طلب إجراء بعض الفحوص لها وأجريناها فإذا بها تحمل لي صدمة العمر التي لم أتخيلها ذات يوم.




وبدأنا رحلة العذاب مع الأطباء والمستشفيات والتحاليل.. وكل يوم يمضي تذبل ورقة من أوراق نضارة زوجتي وحيويتها وجمالها وارتبكت أحوالي جميعها.. وانشغلت عن عملي وأهلي وأخوتي برعاية زوجتي وعلاجها.. وتفرغت تماما للتسرية عنها ورفع روحها المعنوية واصطحابها للنزهة في شوارع المدينة كلما سمحت لها حالتها الصحية.. ونذرت صوما لله تعالي إلي أن يكتب لها الشفاء ويصرف عنها هذا البلاء, فبدأت الصوم من الأسبوع الثالث لمرضها.. واستمر لأكثر من 5 أشهر لم أفطر خلالها إلا في أيام الجمع فقط, لأني في هذا اليوم أتناول طعام الغداء مع زوجتي وابنتي وخطيبها كما أعتدنا أن نفعل في الأيام السعيدة.


وبعد إحدى مآدب يوم الجمعة هذه نظرت إلي زوجتي طويلا ثم قالت لي إنها ستطلب مني شيئا وترجو ألا أرفضه.. وأكدت لها أنني سأفعل كل ما تريد بلا تردد فقالت لي إنها تريد أن نعقد قران ابنتنا على هذا الشاب على الفور وأن يتم زفافها إليه في أقرب فرصة ولو تطلب الأمر أن يقيما معنا في غرفة الابنة إلي أن ينتهي إعداد الشقة التي وفرها خطيبها لها فينتقلان إليها..


زواج سريع

وفهمت على الفور ما وراء هذا المطلب المفاجيء.. فاسودت الدنيا في وجهي ومادت بي الأرض لكني تمالكت نفسي وأعلنت موافقتي بل وابتهاجي بتحقيق هذا المطلب السعيد لها.


واستدعيت خطيب ابنتي وطلبت منه الاستعداد لعقد القران والزفاف بعد أسبوعين على الأكثر.. ورفضت كل مبرراته للتأجيل لعدم الاستعداد أو مراعاة لحالة زوجتي الصحية.


وخلال أيام كنت قد اشتريت غرفة نوم جديدة لابنتي وغيرت ستائر غرفتها واشتريت لها ما يلزمها من ملابس وحددنا موعد القران والزفاف.. واتصلت بابني أطلب منه العودة في إجازة لحضور زفاف أخته ورؤية والدته. وقبل الزفاف بأيام تدهورت صحة زوجتي ونقلت إلى المستشفى وعولجت علاجا مكثفا.. وبكت وهي ترجوني ألا أؤجل القران والزفاف وأن أخرجها من المستشفى ولو على مقعد متحرك لتري ابنتها في ثوب الزفاف الأبيض ويسعد قلبها بسعادتها.. وأقسمت لها أن أفعل ما تريد وأخرجتها من المستشفى بالفعل قبل الزفاف بيوم واحد رغم معارضة الأطباء, وطلبت من ابنتي أن تدعو صديقاتها للاحتفال معها ومع أمها بليلة الحنة.. وجلست زوجتي بين ابنتها وصويحباتها. ترقب غناءهن لابنتها والبشر يطفر من وجهها ويعيد إليه بعض دماء العافية السابقة.. ونامت زوجتي يومها نوما هادئا وبلا ألم كأنما قد برأت من مرضها.. وفي الصباح الباكر استيقظت على طرقات الباب ووجدت ابني أمامي يفتح ذراعيه لي ثم يجري إلي غرفة نوم أمه فيختلط البكاء بالضحكات وعند الأصيل عقد القران وفي المساء أقيم حفل الزفاف البسيط في بهو مسكننا.. وأنا وزوجتي نجلس متجاورين ويدي تمسك بيدها.. وسعادة الدنيا تطل من وجهها.. وحزن الدنيا كله يتكثف في قلبي ويخنق صدري وكلما نظرت زوجتي إلى باسمة اغتصبت الابتسامة وبادلتها الابتسام والسرور.




ختام الحكاية

وبعد أسبوع واحد من هذا الزفاف المشحون بالانفعالات صعدت روحها الطاهرة إلي بارئها يرحمها الله رحمة واسعة.. ووقف ابني إلي جواري في محنتنا.. ورجعت من المراسم الحزينة محطما مضعضعا.. وأقسمت علي ابنتي ألا ترتدي السواد وهي التي لم يمض على زفافها سوى 8 أيام, وبعد أيام العزاء طلبت من أبنتي وزوجها أن يسافرا في إجازة لمدة عشرة أيام علي حسابي ليبتعدا عن الأحزان.. ولأخلو بنفسي في المسكن الذي شهد أجمل أيام العمر مع طيف زوجتي الراحلة وذكرياتي السعيدة معها.


وخلوت بنفسي في مسكن الحب والسعادة والأحزان.. وسألت نفسي هل رحلت عني حقا زوجتي؟ فمن تكون إذن تلك التي أراها جالسة أمامي في الفوتيه الكبير أمام التليفزيون تنظر إلي باسمة للحظة ثم ترجع ببصرها إلي التليفزيون؟ ومن تلك التي مازلت أتشمم رائحتها وعبير بشرتها الناعمة وشعرها في ملابسي وأنفي وفراشي؟ ومن تلك التي أتحدث إليها في سري كل حين.. وأروي لها أحداث يومي كما كنت أفعل معها في الزمن السعيد.




لقد مضت الآن ثمانية أشهر علي رحيلها عن الحياة ولم يفارقني طيفها لحظة واحدة.. ولم أشعر بأنني وحدي في غيابها.

ولقد ساعدت زوج ابنتي علي تشطيب شقته واشتريت بقية أثاثها وتم فرشه فيها وانتقلا إليها بعد إلحاح شديد مني عليهما بذلك, وكانا يرفضان تركي لوحدتي بعد سفر ابني.. لكن من قال إني وحيد.. وزوجتي تملأ علي وجداني وخواطري وقلبي وأفكاري.. لقد أردت أن أكتب لك قصتي لكي أقول لكل شركاء الحياة إن العشرة الجميلة والحب الصادق والعطف المتبادل.. كل ذلك لا يذهب هباء أبدا.. وإنما يحفر بصمته في قلب شريك الحياة ووجدانه.. فليحسن إذن كل شريك عشرة شريكه وليخلص له الحب والود والرحمة.. لكي تظل ذكراه علي الدوام تملأ قلب من أحبه وسعد بمشاركته رحلته في الحياة, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

لو أدرك بعض الشركاء ذلك حقا لحرصوا علي أن يجعلوا رحلتهم مع شركائهم مزاجا صافيا من الحب والعطف والمودة والإنصاف, ولما بددوا الأوقات الثمينة وزهرة العمر في التعاسة والشقاء وظلم ذوي القربي والضغائن والعناد, فيفوزون بذلك بجوائز الحب الصادق والمودة الصافية والعشرة الجميلة.. ويعبرون بالحياة كالنسيم الرقيق الذي يصافح الوجوه برفق في اليوم القائظ فيخفف عنها هجير الحياة, ويخلفون وراءهم أثرا كالشذي الطيب الذي يفوح من الزهور الجميلة في الصباح الباكر وعند الأصيل.. فيرقق المشاعر.. ويجمل الحياة.. ويجدد الرغبة فيها.


ولكل إنسان أن يختار لنفسه ذكراه بعد الرحيل, فيكون ممن ينطبق عليهم قول أحد الأدباء من أن الأعزاء الراحلين لا يموتون أبدا يوم يغيبون عن الحياة وإنما يموتون حقا حين ننساهم, فإذا كنا لا ننساهم فهم يعيشون أبدا في أعماق القلب وحنايا الوجدان.. ومخيلة الذكري, أو يكون علي الناحية الأخري ممن قال عنهم الشاعر أبو الهاشم الباهلي متحدثا عن بشار بن برد وشامتا في موته مكروها من معظم من عرفوه أو اقتربوا منه أو تعاملوا معه:

يا بؤس ميت لم يبكه أحد
أجل ولم يفتقده مفتقد
لا أم أولاده بكته ولم
يبك عليه لفرقة ولد
بل زعموا أن أهله فرحا
لما أتاهم نعيه سجدوا!

ولاشك في أنك قد فقدت يا سيدي شريكة للحياة، يفتقدها شريكها بشدة عند رحيلها عن الحياة, ويبكيها كل من عرفها أو اقترب منها.., وتظل ذكراها الجميلة تعمر وجدان من رافقها في رحلة الحياة حتي نهاية العمر.. غير أن الإنسان مطالب دائما بألا يستسلم لأحزانه إلي ما لا نهاية.. وبأن يستوفي فترة اشتداد الحزن على فقدان الرفيق وافتقاده في كل مكان الحياة, ثم يتماسك بعد ذلك ويواصل الرحلة مزودا بذكريات الحب والسعادة والوفاء.

وعلماء النفس يقولون لنا إن الفترة الطبيعية لاشتداد الحزن علي فقد الأعزاء هي ستة أشهر, فإن طالت أكثر من ذلك دون أن يخمد أوار الحزن.. ويتحول إلي نار هادئة لا تحول دون تواصل الإنسان مع الحياة, تحولت إلي اكتئاب مرضي يتطلب العلاج النفسي والطبي.. 

فلك كل أمنياتي بالتعافي السريع من بوادر هذا الاكتئاب المرضي قبل أن يتمكن منك.. ومع شكري لك على اطلاعنا على قصتك مع هذا الملاك الراحل الذي ترك أبلغ الأثر في نفسك وشخصيتك وحياتك منذ جمع الله سبحانه وتعالى بينكما إلي أن اختاره ربه إلى جواره الكريم.. والسلام.

اقرأ أيضًا..

ads