بالقوارب.. موسم حج آلاف الفنزويليات إلى "عذراء الوادي"
الخميس 16/سبتمبر/2021 - 10:57 ص
سيد مصطفى
يشهد اليوم الثامن من شهر سبتمبر من كل عام في فنزويلا، موكبًا مهيبًا، يتجمع فيه الحجاج المسيحيون ليس إلى بيت المقدس أو إحدى الكنائس الرئيسة في العالم، ولكن إلى كنيسة في أحد الأودية الفنزويلية تسمى "فيرجين ديل فالي" أو "عذراء الوادي"؛ حيث تختلف نساء فنزويلا عن مثيلاتهن في العالم بكونهن يحتفلن بالسيدة مريم العذراء ليس في يناير أو ديسمبر مثل مسيحيي الشرق أو الغرب، ولكن في سبتمبر، عبر موكب احتفالي مهيب، يشبه مواكب الحج المسيحية إلى بيت المقدس.
تسمى تلك الكنيسة عدة مسميات؛ منها عذراء الوادي، وسيدة وادي الروح القدس، بناء على أسطورة حول مريم العذراء التي نشأت في ولاية نويفا إسبارتا بفنزويلا، وأصبحت تُعبد وفق تلك التقاليد في ولايات سوكري وأنزواتيجي ونويفا إسبارتا وموناغاس ودلتا أماكورو وهي جزء من البوليفار، وفي مدينة زارازا بولاية غواريكو، وتعتبر شفيعة الشرق الفنزويلي، وكذلك الصيادون والبحرية البوليفارية.
سبب الاحتفال
تتعدد الفرضيات حول وصول صورة السيدة مريم العذراء إلى الأراضي الأمريكية الجنوبية بالإضافة إلى عبادتها، ووصلت الصورة إلى المدينة المسماة فيلا دي سانتياغو دي كوباغوا، في جزيرة كوباغوا، قادمة من إسبانيا في عام 1526، وبعد ذلك بعامين في 13 سبتمبر 1528، عندما حصلت هذه المدينة على رتبة مدينة وسميت نويفا قادس، وفي تلك الأيام كانت الجزيرة في ذروتها الاقتصادية، أرسل الإسبان الذين أقاموا هناك إلى الوطن الأم للعثور على صورة من شأنها أن تكون بمثابة تميمة روحية.
في ذلك الوقت، كانت هناك كنيستان في جزيرة كوباغوا وعلى الأرجح تم إنشاء هذه الصورة لأبرشية سانتياغو، وفي البداية، افتقرت الصورة إلى التقديس الشعبي. وكانت إقامة العذراء في جزيرة كوباغوا قصيرة، حيث ضربها إعصار في ديسمبر 1541، دمر تجارة اللؤلؤ في كوباغوا، وتضررت الكنيسة ولم ينج سوى صورة العذراء، والتي تم نقلها إلى جزيرة مارغريتا.
عندما انتقلت الصورة إلى جزيرة مارغريتا تم وضعها في كوخ صغير، وهناك أُطلق عليها أولاً اسم سيدة العاصفة لأنها قاومت إعصار كوباغوا. ثم نقلها القس فرانسيسكو دي فيلاكورتا، المعروف في الجزر بالحماية القصوى للسكان الأصليين، إلى وادي العذراء الذي توجد به الآن، في 15 أغسطس 1910، منح البابا بيوس العاشر التتويج الكنسي لسيدة الوادي وفقًا لمرسوم المصلين الروماني المقدس، ولكن لم يؤدِّ الأسقف أنطونيو ماريا دوران (أبرشية سانتو توماس دي غوايانا) طقوس تتويج العذراء حتى 8 سبتمبر 1911؛ لذلك فإن هذا اليوم هو الذي تم اختياره للاحتفال.
النجاة من السلب والحرق
وشهدت عذراء الوادي رغم هذا الاحتفاء الكثير من المحن عبر تاريخها، ففي مارس 1555، وصل بعض القراصنة الفرنسيين إلى مارغريتا واستولوا على فيلا ديل إسبريتو سانتو، حيث سرقوا كل ما في وسعهم: الملابس، والمجوهرات الذهبية والفضية، وأحرقوا البيوت والكنيسة الرئيسة، وأخذوا منها الأجراس الثلاثة، ورغم ذلك لم يلمسوا صورة عذراء الوادي التي لم تلفت انتباههم بسبب صغر حجمها.
كما تم إنقاذ الصورة أيضًا من الانتهاكات والسرقات والنهب التي دمرت الجزيرة، عندما قام الطاغية أغيري في عام 1561 بحرق فيلا الروح القدس وقتل الرهبان وأساقفة الكنيسة.
الموكب المهيب
وفي الثامن من سبتمبر يتم التحضير للموكب في المدينة التي استقبلتها لأول مرة، ويقام القداس برئاسة أساقفة الجزء الشرقي من فنزويلا، ويعتبر موكبا شعبيا يشترك به الآلاف من سكان فنزويلا آملين الحصول على بركات العذراء حتى تصل إلى كنيستها، ويشارك به عدد كبير من النساء، حيث يرافق المؤمنون العذراء منذ وقت مبكر جدا مع الترانيم والقداس من الكنيسة الصغرى بوادي الروح القدس إلى شوارع وساحل مارغريتا، وتحيي كنيسة سانتا كروز الموكب وتجلب العديد من أشكال العذراء مزينة بشكل جميل للغاية، بحسب موقع "أنداندو إن كليك" الفنزويلي.
صور وأطقم ملونة
وخلال الاحتفال تجد في كل خطوة صور العذراء على طول السواحل، وفي شرفات المنازل، وتتزين النساء بملابس مطرزة وملونة لهذا اليوم.
موكب نعمة البحر
لا يمكن إغفال موكب "نعمة البحر"، حيث في نهاية الحج، يقوم الصيادون بموكب بحري على متن القوارب إلى الصورة المقدسة لأداء ما يسمونه "نعمة البحر"، يمكن رؤية العشرات من القوارب الملونة تحتفل بالألعاب النارية، من ليتشيريا بولاية أنزواتيجوي.
ويعتبر أهم تلك القوارب هو القارب الذي يستقله الكاهن ليؤدي طقوس نعمة البحر، ثم تنطلق نوافير كبيرة من المياه وتكون بمثابة إعلان عن انتهاء الاحتفال.
فتتسابق القوارب داخل الموكب بسرعة كبيرة حتى تصل إلى الصخرة العظيمة التي تقع أمام بامباتار، حيث توجد صورة فيرجن ديل كارمن، تحرسها طيور البحر، ولكنها تتطلع نحو الجزيرة لتحميها، وهناك، يقفز المشاركون في الماء، وهو عمل منعش بعد فترة طويلة في الشمس القاسية، ليصلوا إلى الكنيسة ويؤدوا الطقوس، بحسب موقع "ستيميت".
ولا تغيب الصبغة السياسية عن الموكب البحري، حيث شهد عام 2019 زيارة رئيس المعارضة الفنزويلية والرئيس المعترف به من واشنطن خوان جوايدو، خلال ساعات الصباح مع زوجته فابيانا روساليس القداس في ذكرى 108 سنوات من التتويج الكنسي لفاليتا، وقدما القرابين، بحسب موقع "لا باتيا" الفنزويلي.
يذكر أنه في عام 2020 لم يحتفل الفنزويليين بالموكب بسبب فيروس كورونا، وتم تقديم الرقصات وإلقاء القصائد والأغاني وبثها على مواقع التواصل الاجتماعي للبازيليكا ووسائل الإعلام المحلية، كما قامت البحرية بأداء القداس التقليدي على متن قارب أمام الجزيرة، ثم نزل رجال الدين من مذبحهم ومرتدين ملابسهم التقليدية، بحسب صحيفة "أولتيماس نوتيثياس" الفنزويلية.