دماء على جدران البيت المصري .. الشك والجنون خلف ارتكاب الجرائم الأسرية
الإثنين 06/سبتمبر/2021 - 11:50 ص
محمد على
فى الأيام القليلة الماضية شاهدنا جرائم قتل أسرية داخل البيت، فشاهدنا فى مدينة نصرزوج يقدم على قتل زوجته، بعد خلافات نشبت بينهما بإطلاق الرصاص عليها ثم ينتحر، وأخر يقتلها بسبب معايرته بضعفه الجنسي، وجريمة ثالثة، زوج يقتل زوجته النكدية فى إمبابة، "هيرنيوز" حللت تلك الجرائم الأسرية مع أساتذة اجتماع ونفس.
الواقعة الأولى، نجحت مباحث بالقاهرة فى فك خيوط لغز مصرع موظف وزوجته فى زهراء مدينة نصر، وكشفت التحريات، أن الزوج قتل زوجته بطلقة من فرد خرطوش، ثم أقدم على الانتحار، مرجعة السبب إلى وجود خلافات مستمرة بين الزوجين، وازدادت حدتها فى الفترة الأخيرة، وفى يوم الواقعة نشبت مشاجرة أطلق على إثرها الزوج الرصاص على زوجته، ثم قفز من الطابق الخامس.
وكشفت التحريات، عن أن فرق السن بين الزوج، ويدعى "ع.خ"، وزوجته القتيلة، 18 سنة، حيث يبلغ الموظف من العمر 56 سنة وزوجته "ف ح"، عمرها 38 سنة، ولديهم طفلة واحدة.
ويحقق رجال المباحث، مع ابنة الموظف، كما يقومون بتفريغ كاميرات المراقبة، وسؤال شهود العيان والجيران للوقوف على ملابسات الواقعة.
الواقعة الثانية، أقدم زوج على قتل زوجته بمدينة 15 مايو، لكثرة معايرتها له بعجزه الجنسى، ثم اتصل بالشرطة وادعى أن شخصا مجهولا قتلها داخل غرفة نومها.
بتكثيف التحريات تبين أن المتهم تزوج المجنى عليها منذ 18 عاما، وكانت الزوجة الثانية له، وبدأت الخلافات تنشب بينهما نتيجة إصابته بمرض السكر وما تبعه من إصابته بعجز جنسى.
وأوضحت التحقيقات أن الزوج غضب من زوجته لمعايرتها له، وقام بتطليقها، لكنه لم يقدر على فراقها فطلب ردها وإعادتها لعصمته بموجب عقد زواج عرفى، وبعدها بدأ يشك فى سلوكها، قبل أن يصارحها بشكوكه فردت عليه بعنف، ثم عايرته بضعفه الجنسى، ليضربها ويخنقها حتى فارقت الحياة، ثم هرب بعد إبلاغ الشرطة بالعثور عليها قتيلة وأن شخصا ما قتلها.
تم تشكيل فريق بحثى توصلت جهوده إلى أن الزوج هو منفذ الجريمة، وبدأت الشرطة فى ملاحقته، حتى توصلت لسيارته فى المرج وتم ضبط الزوج، الذى كان مختبأ فى منطقة عرب غنيم، وبحوزته 63 ألف جنيه، واعترف بارتكاب جريمة القتل.
وتحرر محضر بالواقعة، وقررت النيابة العامة بتشريح جثة المجنى عليها، وحبس المتهم على ذمة التحقيق، وتم تجديد حبسه لمدة 15 يوما على ذمة التحقيقات.
الجريمة الثالثة فكانت أمام عقار مهجور فى شارع جانبى، عثر الأهالى على جثة إحدى السيدات من قاطنى المنطقة، فيما أحاطت بها بركة من الدماء عند بوابة البناية المهجورة ، المشهد المؤلم أفزع المارة وسكان الشارع ليهرعوا إلى قسم شرطة إمبابة لتقديم بلاغ عن الواقعة التى كانت بمثابة اللغز بالنسبة لهم، إذكانت الأسئلة التى تدور فى ذهنهم منذ العثور عليها "مَن وراء الجريمة؟"، ولكن المباحث كشفت اللغز وكان الزوج هو المجرم، واعترف الزوج بارتكاب الواقعة وبالتحرى تبين أنه أقدم على قتل زوجته عقب سلسلة من الخلافات الأسرية لم يستطع تحملها أو تجاوزها بحسب وصفه، فاختمرت فى رأسه فكرة التخلص منها كونها مصدر "نكد" حياته
وقال الزوج، فى اعترافاته، إنه مساء يوم ارتكاب الحادث استدرج زوجته المجنى عليها حتى أقنعها بالتواجد فى الشارع الذى يقع به العقار محل الواقعة، وعقب توقفهما عن السير أخرج سكينا من طيات ملابسه أخفاها لجريمته وسدد عددا من الطعنات النافذة إلى صدر وبطن الزوجة، بالإضافة إلى أماكن متفرقة فى أنحاء جسدها، وما أن اخترقت السكين أوصال المجنى عليها حتى انفجرت الدماء وتناثرت فى كل مكان وصبغته باللون الأحمر، لتسقط بعد ذلك الضحية جثة هامدة على الأرض قبل أن ينتزع المتهم السكين من صدرها ويهرب.
وتم ضبط الزوج المتهم الذى قام بتمثيل الجريمة بعد اعترافه بارتكابها وأرشد عن السلاح المستخدم فى الواقعة، وأخطرت الجهات المعنية النيابة العامة لمباشرة التحقيق فى الواقعة، وتم حبس الزوج المتهم 4 أيام على ذمة التحقيقات
قال الدكتور يسري عبد المحسن، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة، عن أن تلك الحالة التى تصيب الشخص قد تكون جراء أمور متعددة، من الممكن أن يكون الشخص شكاك بطبعه إلى حد كبير، يشك فى تصرفات الغير، أو أن يقل مؤشر الثقة إيذاء الآخرين حوله، ومن الممكن أن يكون ذلك الشخص طبيعياً جداً لكن تصرفات الشخص المقابل هى التى تدفعه للشك، وفى تلك الحالة لا يعتبر الشك مرض نفسى، إنما هى أمور عارضة جراء تعاملنا مع الواقع المحيط بنا، وهو يختلف من شخص لآخر، على حسب البيئة التى يعيش فيها، وهناك من يصاب بمرض عضوى، وهو ما نطلق عليه "ضلالات الشك" وهى بمعنى اليقين التام والراسخ والمعتقد الثابت، أن هناك مؤامرة ما تدبر ضده، أو أن هناك خيانة زوجية، أو مثلاً اتفاق أحد الأشخاص ضده، او أنه دائما موقع إتهام وربية، وأن اليقين التام بتلك الأمور يكون جراء خلل عقلي نتيجة تغيرات فى كيميا المخ ولا يمكن تصحيحه بالحجة أو المنطق أو حتى الواقع، وأنه لابد من العلاج الدوائي، بل ويتطلب الأمر أحياناً إلى جلسات بالكهرباء.
وقالت الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس السياسي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن أسباب انتشار تلك الجرائم الأسرية كثيرة، أبرزها أن هناك أمراض نفسية مسكونة داخل الشخص، لكن في مجتمعنا هذا نعاني من ثقافة العرض على طبيب نفسي عند شعورنا بالتعب، وهذه الثقافة لا تفرق بين متعلم أو غير متعلم، كما أن الشخص الذي يقبل على ارتكاب مثل تلك الجرائم ليس المرض النفسي سبب كافي، فقد يكون لجأ لتعاطى المخدرات، أو اطلاعه ومتابعة مثل تلك الجرائم بالتفصيل تتمركز في مخيلته وتجعله يرتكب الجريمة بكل سهولة.
وترى الدكتورة هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع أن جرائم القتل الأسرية مرتبطة دائمًا بحالات نفسية، فقد يكون الشخص في كامل قواه العقلية، ولكن فجأة تسيطر عليه حالة نفسية تفقده شعوره وإحساسه، وتلك الحالة لا تفرق بين متعلم أو غير متعلم، ومن الأسباب التي تجعل الشخص يلجأ للعنف أن الواقع أصبح عنيفًا، فكل ما هو حول الإنسان يعزز من تلك الجرائم، وأشارت الدكتور هالة أن الشخص بعد ارتكابه الجريمة يمر بثلاث خطوات، الندم الشديد، محاولة إخفاء الجريمة، وأخيرًا محاولة الهروب من الجريمة، ولكي نقلل من مثل تلك الجرائم لابد من التركيز على الثقافة العائلية والإنسانية التي أصبحت في مجتمعنا هذا مشوهه، ولابد من التخلي عن النزعة العدوانية التي تجعل الشخص أحادي التوجه أي يكون أمامه إما الكره أو الحب.