صيدلانية لـ«هير نيوز»:انفصالي لم يحبطني ..ومرض بنتي منحني القوة والصمود للنجاح
السبت 07/أغسطس/2021 - 08:13 م
عبالله أبو الخير
"أنا أسماء صيدلانية 29 سنة متخصصة تركيبات دوائية وتجميلية وأم لطفلة جميلة عندها اضطراب توحد وفرط حركة وغير ناطقة، بدأ المشوار بدري شوية من أول سنة في الجامعة اتجوزت وخلفت بنتي وبسبب ظروف قهرية انفصلت بعد ولادتها"، هكذا فتحت الدكتورة أسماء قلبها لـ«هير نيوز»، وهي تحكي رحلة كفاحها.
وأضافت، "خلصت دراستي في 2015 وبدأت أدرس عن النباتات الطبية وخاصة المستخدمة في مجال الجلدية والتجميل وبعدها أخدت كورسات وبدأت أكون معملي واشتغلت على نفسي ومبطلتش دراسة وشغف للتعلم لحد دلوقتي في نفس المجال، وحاليا عندي معمل خاص وقمت بعمل أكتر من 50 تركيبة متخصصة وفعالة وآمنة تماما في العناية أو علاج مشاكل الجلد والبشرة والشعر".
ولإيمان «هير نيوز» بالمرأة وقدرتها، وتبنيها لقضاياها، ودعمها للناجحات فيهن تواصلت معها لتطوف بمتابعي «هير نيوز» في جولة سريعة تحكي لنا فيها عن حياتها، والتي تبين لنا فيها، أن ما ظنناه منها كان غيض من فيض، وكفاحها وصمودها تجاوز حد توقعنا، فمن هي الدكتورة أسماء:
ولدت وتربت بالسعودية، حياتها من المنزل للمدرسة ومن المدرسة للمنزل، حياة هادئة ومستقرة، إلى أن بلغت السادسة عشر من عمرها، حين عزم أهلها العودة إلى مصر، فأكملت الفتاة تعليمها الثانوي بالزقازيق، وتفوقت ونجحت في الوصول إلى عتبة حلمها، وهي كلية الطب، وذلك بعدما حصلت على المركز الأول على مستوى محافظة الشرقية.
إلا أن فرحتها لم تكتمل، والحياة تحولت لنفق كالح الظلام لا أثر للنور فيه، بعدما أبلغها والدها بأن ابن خالها الذي يعيش بالقاهرة ولا تعرفه؛ ويشغل هو ووالده مناصب مرموقة بالدولة قد طلب يدها للزواج، يخبرها وهو مغمور بالسعادة بهذا النسب المشرف، يخبرها لإعلامها وفقط لا لأخذ رأيها، فرفضها للزواج منه لم يحرك ساكنا، فقد عزم والدها على تزويجها منه، وفي غضون أسبوعين كانت الخطوبة وكتب الكتاب بل والدخلة قد تمت، رغما عنها !!!
وانتقلت للعيش بالقاهرة مع زوجها، التي لا تعرفه سوى أسبوعين، لم تره ولم تر أهله قبلهم، ليبدأ الخلاف يفرق جمعهم الذي لم يلبث أن يجتمع بعد، فرفضوا فكرة إكمالها في تعليمها، بعدما تنازلت عن كلية الطب نظرا لصعوبتها وطول سنينها والتوفيق بينها وبين حياتها بعد الزواج، والتحقت بكلية الصيدلة.
فتحكي أسماء لـ«هير نيوز»، قائلة: "بدل ما كانت حياتي الزوجية داعمة لي في تعليمي، حصل العكس، وبدأت اكتشف الاختلاف والفجوة اللي كانت بيني وبين زوجي وأهله، كانوا نرجسيين بشكل مبالغ فيه، فلم يتقبلوني أبداً، فاللي فهمته إنهم كانوا مجبرين على الموافقة بيا بعد إلحاح ابنهم، اللي كان يعتبر مهووس بيا، يمكن كان عنده مرض نفسي، المهم بعد ما أنهيت أولى كلية كنت حامل ووصلت للشهر الثامن، طول فترة الحمل متعاملتش معاملة آدمية، فالضغوط كانت مضاعفة، ضغوط مكملش دراسة علاوة على رفضهم ليا كزوجة لابنهم اللي كان ملوش رأي، وكان رأيه من دماغ أهله".
القشة التي قصمت ظهر البعير
وتضيف أسماء: "في ظل الضغط ده، ولدت في الشهر الثامن بضغط منهم بردو، واتفاجأت يوم ولادتي إنهم رافضين زيارة أهلي ليا، فكان ذلك بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، وساعتها قررت إني في أقرب فرصة ههرب من المكان ده عشاني وعشان بنتي، وتشاء الأقدار إن زوجي يخرج من البيت وأكون وحدي اليوم ده، فاتصلت بأهلي وقولتلهم لو مجيتوش تاخدوني النهاردة، مجرد ما هقدر أمشي هاخد بنتي وهمشي ومحدش هيعرفلي طريق، وفعلا أهلي خافوا وجولي من الشرقية ومكانش حد متواجد في البيت وأخدوني".
وتكمل كلامها لـ«هير نيوز»: "بعد أربع شهور من ميلاد بنتي، ووجودي عند أهلي، وإصراري على الإنفصال، وإصرار زوجي وأهله على العودة بشروطهم واللي منها إني مكملش تعليمي، فعلاً اتفقنا على الانفصال، والمأذون جه ومضيت على ورق الطلاق اللي كان فيه بدون علمي ورق تنازل عن الحضانة وعدم رؤية بنتي إلا ثلاث ساعات في الشهر، وبعض التنازلات اللي مركزتش وأنا بمضي عليها على اعتبار إنها من ضمن أوراق الطلاق".
انسي كل اللي فات وانسي بنتك
وبعد فترة طلب خالي؛ خال تاني غير والد زوجي، إنه ياخد بنتي لوالدها يشوفها، فآمنت له واعطيتها له، وهما متفقين إنهم ميرجعوهاش، واتفاجئت لما لاقيت والدي داخل يقولي انسي كل اللي فات وانسي بنتك وابدأي حياتك من جديد؛ كان بيتعامل مع حالتي وموضوع نسيان بنتي كأنه تعب هخف منه بعد فترة، والغريبة إن كل اللي حواليا بيقولي كدا".
شهر بدون رؤية ابنتها، ومن تتقوى بهم هم من ضغطوا عليها وتخلوا عنها، شهر تعيش بدون روحها التي فارقتها مع ابنتها، إلى أن أخبروها بأن تأتي لرؤية ابنتها عند أحد خيلانها، وبعد رؤية ابنتها التي انفطرت في البكاء بمجرد رؤية أمها أسماء، لم تمض نصف ساعة إلا ووجدت طرق الباب الذي كاد يخلعه وصوت والد زوجها:" الوقت خلص"، تقول أسماء:" هنا وجدت نفسي أمسكها بقوة وبقول مش هتخلى عنها مهما عملوا، ففجأة وجدت باب داخلي للغرفة اللي أنا كنت فيها بنفتح، وبيدخل يجي 15 راجل وست منهم اللي أعرفه ومنهم اللي معرفهمش، ليأخذوها مني ويضربوني، وإذ بأخت زوجي تسبني بألفاظ خارجة وتسحب ابنتي بعنف من إيدها وقدمها، فخفت عليها فتركتها فوراً حتى لا يصيبها أذى".
ولم يقبل قلب الأم فكرة فراق ابنتها فلجأت إلى أحد أقاربها في رفع دعوى قضائية لاسترداد حضانة ابنتها، وهنا شعر والدها أن كبريائه قد جرح، عندما وقف غيره معها في محنتها، فأكمل معها طريق المحاكم إلى أن حكم لها بالحضانة بعد مرور ثلاثة أشهر من فراق ابنتها التي قد بلغت 9 أشهر.
ريم تعاني من التوحد وفرط الحركة
وبعد أن تمت ريم؛ الطفلة؛ عام ونصف، وكانت الأم في عامها الثالث بالكلية، بدأت الأم تكتشف وجود مشكلة لدى ريم، فتناديها لا تستجيب، وهنا أسرعت إلى الأطباء لتكتشف أنها تعاني من التوحد وفرط الحركة، والذي فسره بعض الأطباء "بسبب حالة الأم النفسية أثناء الحمل، والولادة المبكرة والتعرض لصدمة في سنتها الأولى"، وهنا بدأت الأم رحلة العلاج التي بدأت تظهر نتيجتها على ريم في سن الخامسة، فبدأت بالاطمئنان، وبدأ أهلها يلحون عليها بالزواج، خاصة بعد زوال سبب قلقها منه وهو أن ابنتها في تحسن.
وتحت إلحاحهم وظهور الشخص الذي بدا لها مناسبا لما أظهره من توافق تام بينهما ولأنه سبق زواجه وله أولاد، وهو ما أشعرها بأنه سيعرف معنى الأبوة ولن يحول بين الأم وابنتها، تزوجت منه فعلاً، وفي أسبوعها الأول من زواجها اتصلت أمها لتخبرها أن أبو ريم قد أخذها، بعدما كانت قد تركتها مع أمها لحصولها على التكليف هذا العام، ولأنه أسبوعها الأول من زواجها، وهنا قد علمت أن أبو ريم قد ألحقها بإحدى مراكز التخاطب بالقاهرة، فبدأت بالبحث لمدة ثلاثة أشهر في كافة المصحات بالقاهرة إلى أن عرفت مكانها، وأصبحت تزورها يوميا بالإتفاق مع الشرفين في المركز دودن علم والد ريم، وتقول أسماء عن حالة ريم في هذه الفترة:" حصل لريم انتكاسة شديدة بعد ما حالتها كانت بدأت تتحسن، وكل يوم كنت بشوفها كانت من السيء للأسوأ، ورغم إلحاح المعالجين على والد ريم إنها كدا مش هتخف، ولازم ترجع البيئة اللي كانت فيها، ماكنش فيه أي استجابة، كل اللي فارق معاهم هو الإنتقام مني فيها بإبعادها عني".
وبعد 10 شهور زواج يذهب زوج أسماء الجديد ليقابل أحد أصدقائه في المطار بعدما جاء من دولة قطر، ليتفاجأ أن صديقه عليه قضايا سياسية، فيؤخذ معه ليتم التحقيق، وأسماء وأخته وأمه يبحثن عنه في كل مكان إلى أن علمن بأمر حبسه فظلوا وراءه حتى يخرجوه، ثلاث سنوات ونصف من محام لمحام ومن محكمة لمحكمة، وبمحرد علم والد ريم أن زوج أسماء قد سجن، كان قد استحال العيشة مع ريم لصعوبة التعامل معها، فأعادها إلى أمها، خاصة بعد غياب زوجها.
غدر بيا في عز ضعفه وعز قوتي
وبدأت أسماء في رحلة شاقة، رحلة العلاج من جديد ورحلة إخراج زوجها، الذي بدأ يتبرم من وجود ريم مع أمها، رغم أنه في السجن، ورغم ما قامت به ريم من أجله، ثلاث سنوات ونصف والجميع يلح عليها بالطلاق منه وهي أبت إلا الوفاء له، فما كان منه إلا أن أخبرها أن موعد خروجه من السجن قد اقترب وبمجرد خروجه على الأم وأن تجد لها مأوى غير بيته لأنها لن تعيش معهم، فتقول أسماء: في البداية كنت بقول ضغط الحبس والظروف اللي هوا فيها مخلياه مشتت شوية وبيقول كلام وخلاص، لكن لما المحامي بشره بخروجه وواجهته فعلاً لاقيته مصر على كلامه، هنا فوراً اخترت بنتي وبدأت في إجراءات الطلاق ولما لاقاني كده قالي خلاص هتعيش معانا، لكني قررت إني مستحيل أكمل مع واحد غدر بيا وفي عز ضعفه وعز قوتي عمل معايا كده".
في ظل هذا الظلام الدامس، والظروف القاتلة للإبداع والمحطمة للأحلام، كانت أسماء تسير في طريق جانبي تجاهد فيه بلا هوادة، فعندما كانت في العام الرابع في الكلية بدأ شغفها بالتركيبات الطبية يظهر، وفي عام 2016 عندما أخذها والدها تقول:" أخذت من الألم النفسي دافع إني أنجح وأعمل حاجة لحد ما أرجعها تاني، بدأت في الوقت اللي كان صعب أبدأ فيه، فأعادت قراءة في المجال ولكن بشكل مكثف، عشان يكون عندي قاعدة علمية سليمة أقدر أشتغل بناء عليها، وبدأت تركيباتي تدريجي أنفذها وأجربها أنا وصديقاتي وأقاربي، ولاقت إعجاب منهم، وبدأوا يشجعوني أنشر منتجاتي بشكل أوسع، والنهاردة وصلت لأكثر من 50 تركيبة طبية، وبسعى للحصول على التراخيص اللازمة وإن كان الأمر صعب لاحتياجها لدعم مادي كبير.
وتنسب الدكتورة أسماء الفضل بعد الله إلى ابنتها ريم فتقول:" باختصار ريم بتمثل لي الحياة بحلوها ومرها عطية الله واختباره في نفس الوقت، بنتي علمتني حاجات كتير خلتني ما أنا عليه، علمتني الصبر اللامحدود و تقبل الاخر وتقبل الاختلافات والبساطة وعيش الحياة بعفوية ونقاء القلب وعلمتني السعادة بأبسط الأشياء، وتعلمت من حياتي إنه إذا كان الله معك فانت معك كل القوة ، وأن الظالم هو الضعيف وليس المظلوم لأن الله يقف مع المظلوم وينصره عاجلا أم آجلا، وأن الله يرسل لنا اختبارات في الحياة وعلينا أن نقبلها كما هي، وأن المثابرة والصبر وتحدي الصعاب طريق النجاح الأوحد.
لا تتزوجي فقط لأن الجميع يتزوجون
"ونصيحتي أنه عليكِ بناء نفسك أولا فكريا ونفسيا والاختيار بناء علي أسس سليمة، ولا تتزوجي فقط لأن الجميع يتزوجون، فالزواج هو مشروع شراكة لتكملي حياتك وأهدافك ورسالتك في الحياة مع الشخص المناسب وتكوين أسرة و تربية أبناء نافعين لمستقبلهم ولغيرهم، ودائما هناك أهداف نسعى لتحقيقها وإذا وصلت لنجاح في عملي مثلا فهناك نجاح أكبر أسعى للوصول إليه، فطول ما احنا عايشين وبنتنفس علينا أن نعمل والأهم أن نفهم رسالتنا في الحياة ونقبلها ونعمل من أجل إتمامها على أكمل وجه، فرسالتك في الحياة هي ما يريده الله منك، قد تكون رسالتك مختلفة عن غيرك لا تعترض وتقول لماذا أنا بل أعلم أن الله قد اختارك لرسالة أسمى فارض بما اختاره الله لك تحصل علي سعادتك في الحياة حتي وإن كان العالم يعتقد أنك تعيش في جحيم الدنيا".
اقرأ أيضًا..