الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

«الملكة».. رشا عادل أصغر تاجرة عسل في مصر

الثلاثاء 13/يوليه/2021 - 10:04 م
رشا عادل
رشا عادل
«الملكة».. رشا عادل

لأسبابِِ ما انتهت حياتها الزوجية بالانفصال، حملت صغيريها فوق كتفيها، واستقلت أول سيارة أجرة في الطريق إلى منزل أسرتها بينما تتزاحم عشرات الأسئلة في رأسها: أين أعيش.. وكيف.. ومن أين أنفق على الصغيرين.. وإلى متى؟!.

الحل في الخلية
تحمل في «حقيبة يدها» شهادة متوسطة، وفي قلبها ألف حلم وحلم، ألقت بجسدها المنهك فوق مقعد الميكروباص، وغطت عينيها بطرف طرحتها حتى لا يلحظ بقية الركاب دموعها التي تنحدر خوفًا على مستقبل الصغيرين، وبينما هي غارقة في أفكارها وتكاد الأسئلة تعصف برأسها، تسلل إلى أذنيها صوت معلق رياضي قادم من مذياع السيارة حيث تقام إحدى مباريات القمة بين قطبي الكرة المصرية، يصف أداء لاعبي أحد الفريقين بأنه أشبه ما يكون بـ«خلية نحل» لا يَكلّ مَن فيها ولا يملّون من العمل ليل نهار لتحقيق الإنجاز.. فهتفت لنفسها: يا إلهي!.. «خلية النحل».. إذَنْ الحل في الخلية.

منزل الأسرة
في شقة أسرتها المؤجرة، وضعت طفليها الصغيرين في حِجر والدتها الطاعنة في السن والتي تكالبت عليها الهموم والأمراض، حيث ترقد لتعد الليالي والأيام في معيّة أمراض الشيخوخة وقصور القلب.. وضعت الطفلين وانطلقت إلى أحد أساتذة كلية الزراعة المتخصصين في بحوث النحل، تسأله عن إمكانية تربية النحل والربح من العسل في أسرع وقت وبأقل التكاليف.

نصيحة الأستاذ
وعملًا بالآية القرآنية «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»، توجهت بالسؤال للأكاديمي المتخصص فأجابها، وراح يشرح لها مواصفات العسل الجيد، وطرق اكتشاف المغشوش من الأصلي، ونصحها بالبدء في تجارة العسل من خلال منتجات وزارة الزراعة فهي مضمونة الجودة والربح، وأهداها عددًا من الكتب الخاصة بقواعد تربية النحل وإنتاج الأعسال.

تحديات
ككل امرأة تحاول اختراق مجال عمل ذكوري، واجهت الشابة رشا عادل تحديات جمة، فلم يتقبل الرجال من أساطين الحرفة أن تنافسهم امرأة لم يتجاوز عمرها 30 عامًا، لكنها واجهت تلك الحرب الشرسة بكل عزيمة واقتدار، واضعة نصب عينيها هدفًا لا تحيد عنه يتمثل في أن تحجز لنفسها مقعدًا في السوق التي تعج بمئات التجار من الخبراء بالمهنة والعارفين بأصولها وأن تدشن لنفسها علامة تجارية خاصة بها، فانطلقت تنهل من فيوضات الكتب التي أهداها لها الأستاذ كالنحلة التي تطوف بالبساتين فتتنسم رحيق الزهر ثم تعود إلى خليتها لتنتج شرابًا مختلف اللون والطعم متنوع الفوائد.

مثل أعلى
أثناء رحلتها في القراءة التي كانت تسير بالتوازي مع رحلتها في عالم التجارة، قرأت كثيرًا عن قصص كفاح نساء استلهمن خططهن للمستقبل من ظروف سيئة، فاستطعن تطويع كل الظروف وتحويلها إلى محفزات انطلقن من خلالها إلى آفاق رحبة، وكان فيما قرأت أطرافًا من سيرة نساء البنايات المحطمة اللائي نجحن في العبور بألمانيا إلى بر الأمان في أقل من 20 عامًا، عقب استسلام بلادهن للحلفاء في عام 1945، فاستطعن النهوض ببلادهن لتصبح في 1965 واحدة من الدول الصناعية الكبرى، فاستجمعت جرأتها واستنهضت عزيمتها، وبدأت مرحلة أخرى جديدة.

من المنحل للمستهلك
مع منتجات وزارة الزراعة، لم تكن رشا لتستطيع أن تدشن علامتها التجارية الخاصة، فلم تكن سوى مندوب توزيع من المنافذ للمستهلكين مقابل هامش ربح بسيط، يعينها بالكاد على تدبير نفقات علاج والدتها والإنفاق على صغيريها، فقررت بعد أن توفّر لديها قدر من الخبرة أن تبدأ في تحقيق الحلم، فراحت تطوف بالمحافظات تتفقد المناحل، وتسأل وتستفسر عن طريقة التغذية حتى عثرت على مبتغاها داخل أحد المناحل الكبرى في محافظة المنيا، وعقدت مع أصحاب المنحل اتفاقًا يقضي بإشرافها على طريقة التغذية ونوعيتها، على أن تحتكر جزءًا من المنتَج السنوي وتبدأ في عمليات المعالجة وصهر الشمع والتعبئة والتغليف تحت علامتها التجارية الخاصة «الملكة»، لتصبح اسمًا على مسمى.

ملكة النحل
بعد 3 سنوات من العمل في مجال النحل والأعسال، لم يعد أحد يذكر اسم رشا عادل، بل يناديها الجميع باسم علامتها التجارية «الملكة»، ولتصبح أصغر تاجرة أعسال في مصر كلها، فلم يتجاوز عمرها بعد 33 عامًا.

أمنيتان
للملكة رشا عادل أمنيتان، تثق في أنها سوف تحققهما يومًا ما، فلأنها لا تملك مَسكنًا حيث تقيم مع والدتها في شقة صغيرة مؤجرة داخل بناية قديمة في مدينة كفر الشيخ، تحاول الحصول على شقة ضمن مشروع الإسكان الاجتماعي، كما تتمنى أن تحصل على ترخيص رسمي بإقامة «كشك» يكون منفذا لتوزيع منتجاتها، لأنها لا تزال حتى الآن تعمل من خلال الإنترنت فقط، وهو ما يقلص مساحة مبيعاتها، لكنها في كِلا الأمرين تصطدم دائمًا بالروتين القاتل.

اقرأ أيضًا..

دعاء رخا ..صيدلانية شاعرة روشتاتها من مملكة الإبداع


ads