جان دارك.. قديسة قتلها إيمانها
الأحد 30/مايو/2021 - 12:27 م
لكل زمان آياته ومعجزاته، التي قد تتمثل في حدثٍ ما يُغيِّر وجه التاريخ، أو شخصية ما تُغيِّر طبيعة الجغرافيا وتعيد ترجيح كفة أوشكت على الانهيار.
مخاض
في السادس من شهر يناير عام 1412 وسط الريف شرقي فرنسا، فوجئ المزارع البسيط جاك دارك بآلام المخاض تداهم زوجته إيزابيل رومية، فراح يبحث عمّن تساعدها في تجاوز متاعبها حتى تضع مولودها بسلام، ولكن دون جدوى، فخرج إلى الحقول الواسعة ينشد المساعدة فلم يعثر على أثرٍ لحي، فرفع عينيه إلى السماء يناجي الله أن يكشف ما بزوجته من ضر وأن يخفف عنها الوجع.
صحوة الحياة
وما هي إلَّا لحظات حتى سمع من داخل كوخه الصغير صرخة بريئة تسجل اعتراض وافد جديدٍ على الأوضاع التي تعيشها فرنسا، دخل مسرعًا إلى الكوخ فبشرته امرأته بأنها وضعت أنثى، فحملها بين يده وراح يمطرها بالقبلات وأطلق عليها اسم جان.
نبوءة
وحين شبت الطفلة عن الطوق، كانت تخبر أهلها بوقائع وأحداث تتحقق في اليوم التالي مباشرة، فأدركوا أنها قديسة صالحة اختصتها العناية الإلهية ببصيرة نافذة، فعوّلوا عليها كثيرًا، حتى وقعت الواقعة.
وذات صباح من عام 1924، أعلنت الفتاة التي لم تكن تجاوزت الثانية عشرة بعد، لأبويها أن صوتًا خفيًا أمرها أن تحرر وطنها وأن تعمل على إجلاء الإنجليز من البلاد وإعادة العهد إلى ريمس من أجل تتويجه ملكًا، فأسقط في يدي الوالدين اللذين راحا يستفسران عن ماهية الصوت.. من أين أتاها وكيف وأين، فانطلقت الفتاة تشرح لهم أنها رأت رئيس الملائكة ميخائيل وكاترينا الإسكندرانية والقديسة مارغريت في أحد الحقول وتحدثوا إليها ووضعوا في عنقها أمانة تحرير البلاد التي كانت تخوض في تلك الاثناء ما يعرف بـ«حرب المئة عام».
بداية تحقيق النبوءة
وعندما بلغت الفتاة جان السادسة عشرة من عمرها، طلبت من الكونت روبير دو بودريكور قائد الحماية أن يطلب الإذن لها بالوصول إلى البلاط الملكي في شينو الواقعة غرب البلاد، في بداية الأمر قوبل طلبها بالسخرية، ولكن تم السماح لها في النهاية حيث حصلت على تأييد اثنين من أصحاب المكانة والنفوذ، هما جان دو متز وبرتران، وحين مثلت أمام مدير البلاط الملكي راحت تقص عليه حكاية النبوءة، فظنها مسؤولو البلاط تهرف بما لا تعرف، ورماها البعض بالزندقة فيما وصفها آخرون بأنها مشعوذة، وكان القرار باصطحابها إلى الكنيسة للكشف عن سلامة قواها العقلية والتأكد من إيمانها.
سير التحقيقات
أمام الكهنة ورجال الدين راحت تكرر الفتاة ما رددته أمام مسؤولي البلاط الملكي، وبدأت مرحلة التحقق من سلامة قواها العقلية والتأكد من إيمانها، لتأتي النتيجة في صالحها، حيث أثبتت التحقيقات إيمانها وانتماءها للمسيحية الكاثوليكية، وقام روبِر دو بودريكور بمنحها فرصة مرافقته لشينو بعد سماعه لخبر تحقق نبوءتها بالانسحاب العسكري.
التنكر في زي الفارس
بعد ذلك قامت جان دارك عبر أراضي البرغنديين بالتنكر بهيئة رجل وحازت على إعجاب الملك شارل السابع وعقد معها اجتماعا سريا، وكلفها بقيادة الجيش، حيث أبلت بلاءً حسنًا، وحققت إنجازات عسكرية كبرى في سن صغيرة، وتميزت بمواقف خلدت اسمها في تاريخ فرنسا، ولكنها وقعت أسيرة في يد البرغنديين، ورفض الملك شارل أن يدفع فدية مقابل تحريرها، ثم عقدت محاكمة لها بتهمة الهرطقة، وكانت عقوبة هذه التهمة هي الإعدام وقيل إن المحاكمة لم تكن نظامية على الإطلاق حيث قاموا ببعض التلفيقات بغرض إعدامها.
براءة بعد الإعدام
وعندما أصدر حكم الإعدام بالحرق عليها وتم تنفيذه في مثل هذا اليوم الثلاثين من مايو عام 1431، قدم المحقق جان بريال والسيدة بريال وإيزابيل رومية طلب إعادة محاكمة في عام 1452 وقام فريق من اللاهوتيين بتحليل شهادة 115 شخصًا، وكان نتيجة ذلك أن أثبتت التحقيقات براءتها واعتبرتها شهيدة.
تكريمات ما بعد الرحيل
ومن التكريمات التي حصلت عليها جان دارك بعد وفاتها، قام فيليكس دوبان لوف أسقف أورليانز، بإغداق المديح على جان دارك مما لفت الانتباه، في فرنسا وإنجلترا أصبحت جان دارك رمزا للرابطة الكاثوليكية، في فرنسا خلال القرن السادس عشر، كما قام بتطويب جان دارك عام 1909. وقام البابا بنديكت الخامس عشر في 16 مايو 1920 بإعلان جان دارك قديسة.