نشوى الحوفى تكتب: أزمة فلسطين لا أزمة غزة
فجأة اختصر العالم الغربى والعربى للأسف، فواجع فلسطين فى قطاع غزة، الذى لا تتجاوز مساحته 360 كم ولا يمثل سوى نسبة 1.3% من مساحة فلسطين المحتلة!
رغم أن الأزمة اندلعت فى البداية فى حى الشيخ جراح بالقدس الشرقية حينما قررت سلطات الاحتلال طرد أسر فلسطينية من منازلها التى تقطنها منذ عام 1956 من قبل منظمات الأمم المتحدة. ورغم ذلك تاهت تفاصيل بداية الأزمة وإشعال إسرائيل لها حينما سعت لفرض مبدأ التهويد على القدس الشرقية، بينما اختصر العالم الأزمة فى غزة المختطفة منذ سنوات من قبل حركة حماس المدعومة من إيران وقطر وتركيا لتحقيق مصالح صهيونية لا علاقة لها بالوجع الفلسطينى. ففى قلب الأزمة امتنع الجميع عن الدعم الحقيقى للفلسطينيين حتى فى غزة بمن فيهم قادة حماس الذين أعلنوا الجهاد من الدوحة، واكتفى الجميع بالشعارات والبيانات عبر شاشات الفضائيات. بينما صور حكام تلك الدول لا تزال فى بعض شوارع غزة بعد أن علقتها حماس منذ عدة سنوات وتحتها شعار: «غزة تنتظر الرجال»!
تعلن تركيا على لسان رئيسها ووزير خارجيتها أنها لن تكتفى بالكلام وسترسل قواتها لتحرير القدس! وتعلن إيران أنها تقدم الاستشارات الفنية والعسكرية لقادة حماس، وتعلن قطر أنها ستدعم حكومة غزة بمبلغ 300 مليون دولار؟! بينما غزة يتم دكها ويسقط فيها المبنى والإنسان بعد سقوط الأمان، لتتجاوز حصيلة القتلى 220 قتيلاً من بينهم 63 طفلاً و36 سيدة، هذا غير مئات المصابين.
لم تكن الأزمة فقط فى الخارج الفلسطينى، بل فى داخله أيضاً، وتلك هى الأزمة الأكبر فى حياة الفلسطينيين على مدار عقود. فأراضى السلطة الفلسطينية المقسمة منذ عام 2007 بين رام الله فتح وغزة حماس، تعانى تراجع أحوال المواطنين وقلة حيلتهم بين انقسام سياسى عجزت القيادات على مدار 14 عاماً مضت أن تلتزم بإنهائه رغم خسارة القضية الفلسطينية، وبين تعثر اقتصادى شديد يزداد أثره فى قطاع غزة، ويعانى منه المواطن فى توفير مصادر الطاقة وسبل العيش وعمل يضمن البقاء على قيد الحياة وبنية تحتية شبه منهارة. هكذا الوضع قبل اندلاع الأزمة فما بالك بعدها؟ ثم يتعمق الوضع سوءاً بقرار الرئيس الفلسطينى محمود عباس بإلغاء الانتخابات التى كانت قد تقرر لها يوم 22 مايو موعداً لإجرائها لإنهاء الصراع الفلسطينى!
ولذا فالأزمة الحقيقية اليوم هى أزمة فلسطين لا غزة، أزمة المواطن لا أزمة القادة المنقسمين، أزمة القضية لا أزمة المواجهة المسلحة. أزمة الشباب الذى يمثل نحو 60% من سكان أراضى السلطة ويحيا فى عالم لا يتحدث لغته ولا يفكر فى قضاياه ولا يستشعر أزمته فى أراضى قالوا له إنها محررة بموجب اتفاق أوسلو عام 1995 بينما تسيطر إسرائيل أمنياً وإدارياً على 60% من مساحته! شباب يسمع عبارات الصمود والمواجهة والتحرير من وجوه تحيا آمنة خارج الأرض المسلوبة، ومواطن يعيش وقائع الأزمة وتفاصيل النقص فى كل شىء بينما قادته ينعمون بالراحة ويطلبون منه التحمل ويطالبون مصر والعالم العربى بإرسال المدد وخوض الحروب؟
نعم، هى أزمة فلسطين وأهلها الحقيقيين لا أزمة غزة.
الوطن