نجلاء محفوظ تكتب: عن الدعاء واليأس
لا يجتمع الدعاء واليأس أبدا؛ كما لا يجتمع الليل والنهار ولا الموت والحياة ولا الضيق والبراح.. الدعاء يمثل الأمل؛ والأمل يوسع الحياة، والبراح يدفع للعمل ويطرد الوجع ويشجع الإنسان على فعل أي شيء يمنحه بعض من الراحة النفسية وهو ما يحتاجه بشدة..
"يهرب" الأمل منا أحيانا لتزايد الضغوط ولاستسلامنا للتفكير السلبي؛ فينتهز اليأس الفرصة ليسيطر ويتوغل ويقيم..
الدعاء يذكر الإنسان بقوة الخالق عز وجل وبشرف وعزة المؤمن ويجعله يستعين بالله ولا يعجز كما أمرنا رسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه..
الدعاء يستنهض الهمة داخل قلب وعقل الإنسان حتى في أحلك الأوقات، والهمة تزيح المرارات وتصنع البسمة؛ وإن كانت واهنة أو ضعيفة ببداية الأمر، لكن البسمة مثل النور الذي يمنح صاحبها القدرة على الرؤية الأفضل، ويتوقف عن المبالغة بالتوقف عند ما يؤلمه في الوقت الحالي ويفكر في كيفية الانتصار عليه والمسارعة في تنفيذه ولا يكتفي بالتفكير..
وأول "وأهم" سلاح هو الدعاء وله شروط؛ منها ألا يتعجل تحقيق ما يرغب أو يتمنى، وأن يتذكر أن الله وحده فعال لما يريد، وأن القدر والدعاء يتصارعان كما جاء بالحديث الشريف؛ فيلح بالدعاء إلحاح من "يوقن" بأن الرحمن سيرزقه بالأفضل في أحسن وقت والالتزام بالأدب عند الدعاء؛ فلا يتآله ولا يقل أبدًا - ولو لنفسه - دعوتك يا الله ولم تستجب، ولكن يلح بالدعاء ويقول سيخرجني ربي بفضله وقوته وواسع إحسانه من ضيق الوجع لبراح الفرج عندما يشاء وحده ولن أضيع رزقي بالاستعجال..
وحتى يحدث ذلك سأذكر نفسي بما لدي من نعم كثيرة؛ لم أعطها حقها من الشكر، وسأطرد اليأس؛ فلا عدو أخبث ولا أشرس منه فهو يسرق الدين والدنيا ويهدد صاحبه في صحته النفسية والجسدية "ويخرب" كل علاقاته ويفسد تفاصيل حياته؛ فاليأس مثل قنبلة متجولة تنشر شظاياها بكل من يقترب منها وتفتك أولا بمن يحملها..
اليأس خيانة للنفس بكل ما تعنيه الكلمة وانتحار بطيء، وكآبة تغزو القلب قبل الوجه وتعطيل وإنهاك للعقل..
والدعاء عزة وصيانة للنفس وزرع للطمأنينة بحياة صاحبها، وأخذ بيده برفق وباحترام لتتجاوز المحنة بأفضل ما يمكن، بينما اليأس يجهز على صاحبه ويغتال بيديه فرصه التي يستحقها للنجاة؛ وكأنه مثل من يتعرض للغرق فبدلا من أن يستدعي قواه ليطفو يسارع بالاستسلام وإغراق نفسه..
الدعاء الناجح لا يتعجل الإجابة أبدًا ويطمئن؛ فالرحمن أرحم الراحمين، والدعاء الذكي لا يكون بدعاء أقل ما يمكن؛ كمن يدعو لا أريد يا ربي سوى انتهاء هذه الأزمة، بل بالدعاء الواسع؛ فليقل اللهم اخرجني من أزمتي وامنحني القوة والصبر وبارك لي في عمري وعوضني بخير وافر وجميل عن كل لحظة تألمت بها وأحسن إلىَّ دائمًا وأبدًا وأعزني واكتبني من الشاكرين..
ونوصي بتكرار الدعاء الذي أوصانا به نبينا صلوات الله وسلامه عليه؛ " إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف عليا خيرًا"، وليتذكر ما ذكرته أم المؤمنين السيدة أم سلمة أنها عندما قالت هذا الدعاء بعد وفاة زوجها أبو سلمة؛ قالت لنفسها وهل يمكن أن يكون هناك تعويض عن أبي سلمة!! وإذا بها تتزوج رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه وهو تعويض لم يخطر لها على بال وكان مكافأة الرحمن لها على حسن إيمانها..
ولنحرص في الدعاء أن ننهيه بجملة إن كان خيرًا لي وإن لم يكن كذلك فارزقنا أفضل منه بالخير وأوسعه وأدومه؛ فكثيرًا ما نرغب بما يضرنا ونحن لا نعلم فلنسلم أمورنا بصدق وبرضا لله الخبير العليم..
ولنتجنب الدعاء على النفس أو تمني الموت والدعاء به؛ فقد نهانا الرسول عنه والأفضل الدعاء بإزاحة الغمة وسرعة الفرج ولا ندعو على الأبناء مهما "ضقنا" بتصرفاتهم؛ فقد يوافق ساعة إجابة؛ والأفضل الدعاء لهم ولنا بالهداية فكلنا نحتاج بشدة لهذا الدعاء وسط تزايد الفتن لننجو من "قبحها" وسوء خاتمتها، ولحماية أنفسنا من الكبر والتوهم بأننا أفضل من غيرنا؛ وجميعنا نحيا بفضل الخالق الستار "فوحده" منحنا ما نراه ويراه الآخرون جميلًا في أنفسنا، وسبحانه ستر السيء من أفكارنا وتصرفاتنا فلا ملائكة على الأرض..
اليأس "يسلمنا" فرائس سهلة للضعف وللهزائم وللحسرات وللحزن القاتل ويسرق الكبرياء ويورث الانكسار والمذلة ولو بعد حين..
الدعاء يذكرنا بضعفنا البشري والذي يجب أن "نحترمه" ونمنع القسوة على النفس بسببه وفي الوقت نفسه لا نستسلم له ولا نبرره ولا نفتش عمن يساعدنا على تبريره ثم تقبله والتعامل معه كواقع لا يمكن تغييره، ونكون كمن لديه كنوز لا يستطيع الاستفادة منها ويظل طوال عمره يشكو الفقر والعوز..
الدعاء كنز المؤمن يلجأ إليه "بحب" وبحسن ظن بالرحمن القوي القادر أن يبدل أي شيء فوحده يقول كن فيكون؛ فالدعاء يمنح القوة النفسية والعزة ويصون صاحبه؛ فلا ينافق ولا يفعل ما يشينه ليحصل على ما يرغب؛ بل يأخذ بالأسباب بعزة وبرأس مرفوع ثم يدعو "بيقين" ويسلم أموره للوهاب اللطيف بعباده ويملأ عمره بنور الرضا وببراح الإيمان..