حكم نهائي ينصف طفلة يتيمة .. ويعترف بالشخصية القانونية لمجهولي النسب
السبت 03/أبريل/2021 - 11:47 ص
أنس محمد
حصلت السيدة (م.ح.إ) اليوم السبت، عقب الاحتفال بعيد اليتيم على شهادة من جدول المحكمة الإدارية العليا تفيد بعدم الطعن على الحكم التاريخى، بالاعتراف بالشخصية القانونية للفتاة يتيمة مجهولة الأبوين، لاستخراج بطاقة رقم قومي.
الاعتراف بالشخصية القانونية لمجهولى النسب
وكان الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة في الدعوى رقم ٥٣١٢ لسنة ١٣ ق بجلسة ٣٠ مايو ٢٠١٥، أكد الاعتراف بالشخصية القانونية للفتاة القاصر (ن.س.م) وأحقيتها فى إصدار بطاقة الرقم القومى لها بالاسم الجزافى الذى وضعه طبيب الصحة بعد أن عثرت عليها سيدة فاضلة وهى رضيعة على باب أحد المساجد وقامت بتربيتها والاعتناء بها حتى بلغت 16 عاما وتفوقت بالمدرسة، وطلبت منها إدارة السجل المدنى برشيد ضرورة حضور الأب شخصيا لاستخراج البطاقة.
وأكدت المحكمة بحكمها الاعتراف بالشخصية القانونية لمجهولى الأبوين وتشجيع كفالتهم التوثيقية، وأن لمجهولى النسب أحكام اليتامى ورعايتهم أوجب من اليتامى معروفى النسب.
حقوق مجهولى النسب
ويضيء هذا الاعتراف النور في الطريق لمجهولى النسب، بعد أن عاشوا عدة سنوات لا يعرف لهم هوية أو شخصية قانونية، ووضعت المحكمة لبنة اجتماعية إنسانية في بناء صرح مجتمع سليم يقوم على احترام حقوق مجهولى النسب بأن لهم أحكام اليتامى والعناية بهم أوجب من اليتامى معروفى النسب.
وكانت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية قد قضت في وقت سابق برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، بإلغاء قرار مصلحة الأحوال المدنية السلبى برشيد بالامتناع عن إصدار بطاقة الرقم قومى باسم إحدى طالبات الثانوية العامة بالبحيرة الصادر استنادًا إلى أنها مجهولة الأبوين، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام وزارة الداخلية بإصدار بطاقة الرقم القومى لها بحسبان أن مجهولى الأبوين من حقهم دستوريا الاعتراف بالشخصية القانونية ولهم الحق في الاسم الجزافى، واستخراج بطاقة الرقم القومى حرصا على إنسانيتهم وحفاظا على آدميتهم من التشرد والضياع، وألزمت الإدارة المصروفات.
وفى موقف نبيل من إدارة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية لم تطعن على الحكم الإنسانى وأصبح الحكم نهائيا وباتا.
قصة فتاة أنقذت مجهولى النسب
والقصة تبدأ عندما عثر إحدى السيدات بمركز رشيد بمحافظة البحيرة، على طفلة رضيعة ملقاة على الأرض مجهولة الأبوين عام 1995 ثم ذهبت بها إلى قسم الشرطة وتعهدت برعايتها، وحدد طبيب الوحدة الصحية اسم ثلاثيًا جزافيًا في خانة الأب وجزافيًا في خانة الأم طبقا للقانون، وحصلت على شهادة ميلاد لها، وعندما وصلت للمرحلة الثانوية لجأت لمصلحة الأحوال المدنية برشيد لاستخراج بطاقة الرقم القومى إلا أنها طلبت من السيدة البحث عن والديها المجهولين كشرط لحصولها على بطاقة الرقم القومى، وهو ما يؤثر على نفسيتها، خاصة وأنها الأولى على المدرسة وعلى وشك الالتحاق بالمرحلة الجامعية مما يصيبها بضرر بالغ، فقرر القاضى الحكم أخر الجلسة.
إصدار بطاقة الرقم القومي
ونطق القاضى بالحكم لصالح الطفلة وأكدت المحكمة أن مصلحة الأحوال المدنية ملزمة بإصدار بطاقة الرقم القومي لمجهولي النسب بالتسمية الثلاثية الجزافية، لخانة الأب وخانة الأم التي يجريها طبيب الوحدة المختصة عند العثور على اللقطاء، طالما لم يظهر الوالدان الحقيقيان، كما أكدت على حظر التبنى وأنه لا يجوز للأحوال المدنية حرمانهم من حقهم الدستورى في التمتع بالشخصية القانونية أو النيل من هويتهم الإنسانية.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها: إن الإنسان مجردا هو محور الكون الذي تدور حوله كل الأشياء والمسخرة له في كل الأزمنة والأمكنة؛ لذلك اهتم المشرع المصرى بحقوق الطفل مجهول الوالدين، فلم يحرمه من عنايته ورعايته، فعامله نفس المعاملة التي يعامل بها الطفل معلوم الوالدين، فجعل له الحق في الاسم طبقا للبيانات التي يدلى بها المبلغ وعلى مسئوليته عدا إثبات اسمى الوالدين أو أحدهما الحقيقيين، فيكون ذلك بناء على طلب كتابى ممن يرغب منهما بحسبان أنه يحظر التبنى، وفى حالة عدم التوصل إلى معرفة الوالدين أو أحدهما للطفل حديث الولادة مجهول الوالدين فإن المشرع منحه رغم ذلك الحق في الاسم واللقب عن طريق إلزام طبيب الصحة المختص بتقدير سن الطفل وتحديد نوعه وتسميته رباعيا تسمية جزافية حتى لا يحرم الطفل مجهول الأبوين من حقه الطبيعى في الشخصية القانونية سبيلا للاعتراف بآدميته كإنسان، وفى ذلك بناء لبنة اجتماعية لصرح مجتمع صحيح يقوم على بث روح التسامح والاندماج للأطفال مجهولى النسب والاحتفاظ لهم بهويتهم الإنسانية لمواجهة ما اطبقت عليهم الحياة ظلما وظلاما نتيجة تصرفات غير إنسانية بتخلى اَبائهم عن الاعتراف بهم أيا كانت الأسباب والظروف."
مجهولو النسب لهم أحكام اليتامى
أكدت المحكمة" أن مجهولى النسب لهم أحكام اليتامى، بل هم أولى بالعناية لعدم وجود أحد من والديهم وأهلهم، واليتيم قد تكون أمه بجانبه، وقد يزوره أحد أقاربه، أما مجهول النسب فإنه منقطع عن كل أحد، ولذا كانت العناية به أوجب من اليتيم معروف النسب. فمجهولو النسب في حكم اليتيم لعدم معرفة والديهم، وهم أشد حاجة للعناية والرعاية من معروفي النسب لعدم معرفة قريب لهم يلجئون إليه عند الضرورة، ومن ثم فإن من يكفل طفلًا من مجهولي النسب فإنه يدخل في الأجر المترتب على كفالة اليتيم، لعموم قول سيد البشرية وسيد الأنام وسيد الأيتام محمد صلى الله عليه وسلم: ( َأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا )، ويتعين على مَن يكفل مثل هؤلاء الأطفال أن لا ينسبهم إليه، لما يترتب على ذلك من ضياع الأنساب والحقوق".
وأضافت المحكمة في حكمها الذى تجسدت فيه أرقى معانى الإنسانية: " إن الطفلة المذكورة استقبلت دنياها وهى مجهولة الأبوين وقد عثرت عليها المدعية واتخذت كل الإجراءات القانونية للإبلاغ عن واقعة العثور عليها وحررت محضرا بذلك في قسم الشرطة المختص ووضع لها طبيب الوحدة الطبية المختص اسما ثلاثيا جزافيا لكل من خانة الأب وخانة الأم طبقا للقانون المصرى، وبناء على ذلك صدرت لها شهادة الميلاد متضمنة هذه البيانات، ولم يثبت من الأوراق عكس تلك البيانات ولم يظهر لها أحد أبويها حتى الآن، وقد أخذتها المدعية منذ العثور عليها حديثة الولادة واحتضنتها من غدر الزمان، فأحسنت تربيتها ورعايتها حتى بلغت الطفلة أشدها وتخطت سن السادسة عشرة، وعندما تقدمت باستخراج بطاقة الرقم القومى فوجئت بأن مصلحة الأحوال المدنية بالبحيرة امتنعت عن إصدار تلك البطاقة بحجة ضرورة إحضار الأبوين المجهولين، رغم علم الإدارة بأنها طفلة مجهولة الأبوين ولم تأخذها بها رحمة أو شفقة، بل ظل العدوان على إنسانيتها وآدميتها شهور عددا، ما كان يجب عليها أن تنال من حق الطفلة في التعبير الإنسانى عن كونها مخلوقة تعيش على الأرض، وما كان ينبغى أن تؤذى مشاعر الطفلة ومشاعر من قامت على رعايتها.
تعارض قانون الطفل المصرى مع لائحته التنفيذية
واختتمت المحكمة حكمها الإنسانى "إنه قد تلاحظ لديها أنه بين قانون الطفل المصرى ولائحته التنفيذية تعارضا وتأرجحا بين الالزام بالتسمية الرباعية أو الثلاثية للأطفال مجهولى الأبوين، ذلك أن اللائحة التنفيذية ألزمت طبيب الوحدة المختص الذي يقوم بتقدير سن الطفل وتسميته تسمية رباعية جزافية، بينما ألزمه القانون بوضع تسمية ثلاثية جزافية، وذلك على الرغم من صدور القانون منذ 25 عاما، مما يتعين معه على المشرع أن يوحد الحكم في الحالتين منعا للتضارب وتحقيقا للانسجام التشريعى الواجب إعماله.