رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بلحم الفئران.. كيف واجه الفرنسيون الجوع بسبب حصار باريس؟

هير نيوز

بلحم الفئران.. كيف واجه الفرنسيون الجوع بسبب حصار باريس؟.. خلال حصار باريس عام 1870، واجه الفرنسيون الجوع بابتكار مذهل، فحولوا لحوم الخيول والحيوانات البرية وحتى الفئران إلى وجبات فاخرة، محافظين على تقاليدهم الغذائية الرفيعة ومظهر المائدة الراقي، في تجل لولعهم العميق بالطعام وقدرتهم الفريدة على التكيف حتى في أحلك الأوقات.

بلحم الفئران.. كيف واجه الفرنسيون الجوع بسبب حصار باريس؟.. تشتهر الحرب الألمانية-الفرنسية عام 1870 بكثير من الأمور، من بينها، أسر نابليون الثالث وسقوط نظامه الإمبراطوري وقيام الجمهورية الثالثة التي استمرت حتى الحرب العالمية الثانية، خسارة فرنسا مقاطعة الألزاس وأجزاءً من اللورين، قيام الكومونة الباريسية التي استمرت بضعة أسابيع فحسب، وأهمها ربما صعود ألمانيا كإمبراطورية جديدة وأكبر قوة في أوروبا الوسطى ولعل هذه الحرب هي التي نثرت بذور الحرب الكبرى القادمة والتي عرفت لاحقاً بالعالمية الأولى.

بلحم الفئران.. كيف واجه الفرنسيون الجوع بسبب حصار باريس؟.. لكن الأقل شهرة في هذه الحرب هو الحصار الذي عاشته باريس على يد قوات المستشار الألماني بسمارك (استمر من الـ18 من سبتمبر (أيلول) حتى الـ28 من يناير (كانون الثاني) 1871)، وكيفية تدارك أهالي باريس - البالغ عددهم حينها نحو مليوني نسمة – الجوع وقلة الموارد.

بلحم الفئران.. كيف واجه الفرنسيون الجوع بسبب حصار باريس؟.. لقد عرف عن الفرنسيين بأنهم رواد مفهوم المطاعم والأكل خارجاً لدرجة أنهم عمدوا إلى تحويل هذه التجربة إلى نوع من الفن بمختلف أبعاده، من المكونات الغذائية إلى فن الطهي وصولاً إلى طريقة تقديم الوجبة مع ما يتخلله من لجوء إلى اللحوم غير التقليدية مثل الضفادع وغيرها.

ولم تكن الحرب الجديدة هذه لتؤثر في أسلوب الحياة هذا لكنها طبعاً أدخلت تعديلات على قائمة الطعام اليومي، ففي رسالة بعث بها الفنان الفرنسي كلود مانيه إلى زوجته خلال الحصار، كتب يقول: "يوجد الآن جزارون للقطط والكلاب والجرذان في باريس، ولا نأكل شيئاً سوى لحم الحصان إن تمكنا من الحصول عليه."

بلحم الفئران.. كيف واجه الفرنسيون الجوع بسبب حصار باريس؟.. ولعل لحم الحصان كان الأكثر شيوعاً خلال تلك الفترة إذ تتحدث المصادر التاريخية عن التضحية بنحو 65 ألف حصان من أجل الطعام في الفترة ما بين سبتمبر 1870 ويناير 1871، بما في ذلك اثنان من فرسان نابليون الثالث.

ويقول الطبيب الأميركي روبرت لوري سيبيت الذي صودف وجوه في باريس وبقي فيها ثم جمع ذكرياته عن الحياة وقت الحصار في كتاب بعنوان "حصار باريس بعيون أميركية" The Siege of Paris by an American Eye-Witness، نشر عام 1892، كيف أن اللجنة الصحية المركزية في المدينة أقامت مأدبة عشاء تمحورت حول لحم الحصان، تضمنت: حساء مرق الحصان مع خبز محمص، لحم حصان مسلوقاً مع ملفوف، وورك حصان على الطريقة الفرنسية، وفيليه حصان مشوياً، واختتمت المأدبة بشرائح باردة من لحم الحصان.

بلحم الفئران.. كيف واجه الفرنسيون الجوع بسبب حصار باريس؟.. لكن القائمة لم تنته هنا، فقد تحولت حديقة الحيوانات في باريس إلى المصدر الأساس للحوم الحيوان. إلى جانب الفيلين الوحيدين في حديقة الحيوانات اللذين كانا يتمتعان بشعبية كبيرة بين أهالي باريس، كاستور وبولوكس، ذبحت حيوانات أخرى مثل الكنغر والحمير والدببة.

وحول لحم الفيلة تحديداً، دون الكاتب والسياسي والدبلوماسي البريطاني هنري لابوشير الذي عاصر الحصار، في مذكراته يوم السادس من يناير عام 1871: "تناولت البارحة شريحة من بولوكس... كان اللحم قاسياً وخشناً، ولا أنصح العائلات الإنجليزية بتناول لحم الفيلة ما دامت قادرة على الحصول على لحم البقر أو الغنم."

واشتهرت خلال الحصار قائمة العشاء ليوم عيد الميلاد لعام 1870 في مقهى فوازان Café Voisin الراقي في شارع سانت أونوريه الباريسي والتي عنونت بصورة لافتة "في اليوم الـ99 من الحصار". وضمت مأكولات فريدة مثل حساء فيلة، وكنغر مطهو على الطريقة التقليدية فيما تضمنت المقبلات رأس حمار محشو، مع الفجل والزبدة والسردين.

وكانت اللحوم هذه تباع بمزادات يتقدم إليها أهم الطهاة الباريسيين أمثال الشيف شورون الشهير الذي كانت قائمته الغذائية مقززة وفظة إلى حد بالغ، حتى إن مؤرخين يرون فيها طريقة ساخرة اتبعها الطاهي الأسطوري للتعبير عن رأيه الحقيقي في هذه الحرب العبثية وعديمة الجدوى. لقد كانت، في جوهرها، محاكاة ساخرة للحرب على طبق طعام.

حمار مشوي وفخذ دب

ولم يكن الطاهي شورون الوحيد الذي تحدى المجاعة والنزاع بصياغة قوائم طعام مترفة. ففي مطعم بيترز Peter’s القريب من دار الأوبرا في باريس، قدمت في يوم رأس السنة أطباق مثل شرائح فيل، وحمار مشوي، وفخذ من لحم الدب.

قائمة طعام عيد الميلاد، اليوم الـ99 من الحصار. تشمل الأطباق غير المعتادة رأس حمار محشواً، وحساء الفيل، والجمل المشوي، وحساء الكنغر، وفطيرة الظباء، وأضلاع الدب، وقطاً مع الفئران، وفخذ الذئب بصلصة الغزال (المشاع الإبداعي)

قائمة طعام عيد الميلاد، اليوم الـ99 من الحصار. تشمل الأطباق غير المعتادة رأس حمار محشواً، وحساء الفيل، والجمل المشوي، وحساء الكنغر، وفطيرة الظباء، وأضلاع الدب، وقطاً مع الفئران، وفخذ الذئب بصلصة الغزال (المشاع الإبداعي)

هنري ماركايم، وهو معاصر آخر للحصار، لخص هذه النكهات الجديدة بالقول: "اللحم الكلبي ليس بديلاً سيئاً للضأن" و"لحم القط، كما يعلم الجميع، يؤكل غالباً كبديل للأرنب". أما الأثرياء، فـ"كانوا يستمتعون بفطائر الفئران"، التي كان لحمها أغلى من لحوم الكلاب والقطط.

وعلى رغم شدة الحصار والمجاعة، أظهر الفرنسيون تفوقهم الفريد في تحويل الحاجة إلى فرصة إبداعية، محافظين على روح المطبخ الراقي حتى في أحلك الظروف. فحتى حين لم يبق في الصحون سوى لحم فيل أو جرذ، لم يتخل الباريسيون عن طقوسهم الجمالية في إعداد الطعام وتقديمه، مجسدين ولعهم العميق بالنكهة والتقاليد.

لكن إن كان هناك من نتيجة إيجابية لهذه الحرب التي خسرتها فرنسا فهي أنها أخيراً وبعد مخاض استمر عقوداً رسخت على طريق الجمهورية لتكون بذلك أول قوة عظمى أوروبية تتبنى هذا النظام وتفتن الآخرين به.

تم نسخ الرابط