زواج شاب مصاب بمتلازمة داون يثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي.. والعروس تبكي أثناء الزفاف

تداول عدد كبير من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية مقطع فيديو مؤثر يُظهر لحظة بكاء عروس خلال حفل زفافها على شاب مصاب بمتلازمة داون، وذلك في إحدى القرى المصرية، ما أثار حالة من الجدل والانقسام بين المتابعين حول مدى قانونية وإنسانية هذا الزواج.
وظهر في الفيديو العروس وهي تذرف الدموع وسط مراسم الزفاف، بينما كان العريس، الذي يعاني من متلازمة داون، يحتفل وسط الحضور، الأمر الذي دفع البعض للتشكيك في رضا العروس عن الزواج، معتبرين أن ما حدث قد يكون نتيجة ضغوط من الأهل أو المجتمع، مطالبين بالتحقيق في الواقعة ومحاسبة المسؤولين عنها، بمن فيهم المأذون الشرعي.
في المقابل، دافع آخرون عن هذا الزواج، مؤكدين أن المصابين بمتلازمة داون لديهم الحق في الزواج وتكوين أسرة، ما دام هناك رضا وقبول متبادل، مشيرين إلى ضرورة احترام مشاعر ذوي الهمم ودمجهم في المجتمع.
الفتوى والطب يوضحان الموقف
وبينما استمر الجدل على المنصات الاجتماعية، أوضح متخصصون في الشؤون الشرعية والطبية أن أهلية الزواج لا تُحدّد فقط بالحالة الصحية أو الذهنية، بل تُدرس حالة بحالة، حيث يمكن لبعض الحالات من ذوي متلازمة داون أن يمتلكوا القدرة على التمييز واتخاذ القرار، ما يجعل عقد الزواج شرعيًا إذا توفرت الأهلية والرضا الكامل للطرفين.
الواقعة أعادت فتح باب النقاش حول زواج أصحاب الهمم في المجتمعات العربية، وضرورة إيجاد أطر قانونية وإنسانية واضحة تضمن حقوقهم وتحميهم من أي استغلال أو ضغوط اجتماعية.

وعلق البلوجر أحمد نبيل فقال: "حصل عندنا ومامته التي زوجت أبنها المصاب وعادي، الغريب أن أهل العروسة وافقوا، بيوافقوا على أي حد يدفع وفي النهاية كانت الشكوى، فالبنت عاوزة بعد متخلف تعمل تمكين للشقة. العريس طلقها وفضلت قاعدة في الشقة وطُردت وخلص منها، العروسة حلوة وعرف يتجوزها لمجرد أن أهل العريس عاوزين يفرحوا بأبنهم..."
أما البلوجر لونا محيي فعبرت عن رفضها قائلة: "توضيح مدى معاناة البنت في الأرياف سواء من الأهل أو من الناس وكلامهم سواء بتأخرها في الجواز أو ضغط أهلها عليها وترخيصهم ليها وفرضهم عليها رأيهم حتى لو على مصلحتها المهم منظرهم أمام الناس.. ومن رأيي أن الزواج ده مينفعش والأفضل أن كل واحد ياخد الذي في مثل ظروفه أو علي الأقل يكون مقتنع بالزواج من البداية عشان الإجبار في الزواج بيفقده ركن من أركانه وهو موافقة الطرفين وبدون إجبار علشان ميبقاش العقد باطل...".
الجوازة باطلة والبنت مغصوبة على الزواج
وعلقت البلوجر سماء مصطفى قائلة: "الجوازة باطلة! من شروط الجواز الاتنين يكونا بكامل قواهم العقلية المأذون لازم يتحاسب أنه تمم الجوازة دي هم بيدافعوا عن ايه بجد"
أما البلوجر مؤمن الجمال فقال: "معتقدش يكون ده العريس..ممكن يكون أخوها مثلا أو قريبها أو أخو العريس بس لو ده العريس يبقى المفروض أبو البنت يتحبس بجد وكل اللى وافق على الجوازة يشوف أولاده كده".
وقالت البلوجر داليا كحلة: "حتكلم أنه حرام شرعا البنت مغصوبة بالفعل، والمأذون لازم يتحاسب وأهلها وكل من شارك في الزواج حسبي الله ونعم الوكيل".
وعلق البلوجر قمر الدين سليمان فقال: " ده ظلم ما بعده ظلم تعابير وجهها بتقول أي حاجة.. مجتمع غريب".
أما البلوجر شيري توفيق فقالت: "ده جواز باطل العريس فاقد للأهلية".
وقالت البلوجر شيرين إبراهيم: "حرام أنا إبني زي الولد دة متلازمة دون واستحالة يكون أمه وأبوه عندهم رحمة بالبنت".
الحكم الشرعي لزواج المصاب بمتلازمة داون
أما دار الإفتاء المصرية فأجابت عن حكم زواج المصاب بمتلازمة داون فقالت: "من حق المعاق عقليًّا أن يتزوج ما دامت أركان الزواج متوافرة، وما دام محاطًا بالحرص على مصلحته محفوفًا برعاية منافعه. ولا يمنع المعاق من الزواج مخافة إنجابه لأبناء معاقين؛ لأن الزواجَ شيءٌ والإنجابَ شيءٌ آخر، فالزواج فيه أُنسٌ ورحمةٌ ومودةٌ ومعانٍ ساميةٌ كثيرةٌ بالإضافة إلى الإنجاب، مع الرجوع في مسألة الإنجاب وعدمه أو تأخيره إلى أهل الاختصاص في كل حالة بحسبها".

وتابعت دار الإفتاء فتواها قائلة: "وتصرفات القَيِّم تجاه المعاق تكون مقيدةً بالمصلحة؛ فإن كانت مصلحة المعاق تقتضي تزويجَه فإن على القيم أن يُبَادِرَ إلى تزويجِهِ، ويأثم إن أخَّره دون سبب".
وقالت دار الإفتاء: "من حق المعاق عقليًّا- المسؤول عن نوعه- أن يتزوج ما دامت أركان الزواج متوافرة، فإن كانت الشريعة قد أباحت زواج المجنون وأباحت الزواج من المجنونة، فالمعاق إعاقةً عقليةً بسيطةً زواجه جائزٌ من باب أوْلَى، لا حرج فيه، ما دام محاطًا بالحرص على مصلحته محفوفًا برعاية منافعه".
وتابعت "كتب الفقه تَعقِد مسائل وفصولًا تتحدث فيها- في كل المذاهب- على زواج المجنون، وولاية الإجبار عليه كالولاية على الصغير، ويختلفون في جعلها خاصة بالوالد والجد فقط أو تعديتها لبقية الأولياء، أو حتى للحاكم -أي القاضي-، كل هذا لما فيه من مصلحة هذا الإنسان المركب فيه الشهوة والعاطفة، والمحتاج إلى سكنٍ ونفقةٍ ورعايةٍ وعنايةٍ، شأنه شأن بقية بني جنسه، مع زيادته عليهم باحتياج في بعض النواحي التي مرجعها حالته الخاصة".
رأي الدين في زواج المجنونة
فنرى مثلًا في فقه الحنابلة في كتاب "كشاف القناع": (أمَّا المجنونة فلجميع الأولياء تزويجها إذا ظهر منها الميلُ للرجال؛ لأن لها حاجة إلى النكاح لدفع ضرر الشهوة عنها وصيانتها من الفجور وتحصيل المهر والنفقة والعفاف وصيانة العرض، فأبيح تزويجها... ويعرف ميلها إلى الرجال من كلامها وتتبع الرجال وميلها إليهم ونحوه من قرائن الأحوال، وكذا إن قال ثقة أهل الطب -إن تعذر غيره-، وإلا فاثنان: إن علتها تزول بتزويجها، فلكل ولي تزويجها؛ لأن ذلك من أعظم مصالحها، كالمداواة، ولو لم يكن للمجنونة ذات الشهوة ونحوها ولي إلا الحاكم زوَّجها) اهـ.
ومع الفارق بين المجنون وبين المعاق عقليًّا إلا أن هناك جامعًا بينهما مؤثرًا في قضية الزواج، وهو الحياة من إنسان قابلٍ للوطء منه أو فيه، مجبول على الحياة الاجتماعية، ومحتاج إلى الرعاية والكفالة والنفقة.
الطب يجيز زواج المصاب بمتلازمة داون
وأضافت دار الإفتاء "لا يُمنع المعاق من الزواج؛ لأن الزواج شيءٌ والإنجاب شيءٌ آخر، فالزواج فيه أنس ورحمة ومودة وتعاون وإنفاق ومصاهرة ومعانٍ سامية كثيرة بالإضافة إلى الإنجاب، ولو كان الإنجاب ضروريًّا لازمًا مرتبطًا كليًّا بالزواج لما صَحَّ زواج الكبار الآيسين أو العُقماء أو الصغار، والتالي باطل، فانتفى المُقَدَّم وثبت نقيضه، وهو عدم اللزوم ولا الضرورة بين الزواج والإنجاب، وتمكن السيطرة بشكل أو بآخر -وهذا موضوع يُدلي فيه الخبراء وأهل الاختصاص بدلوهم- على عدم الإنجاب أو تأخيره أو تحديده بحسب المصلحة لكل حالة على حِدَتها".

وأجاب بعض الأطباء على مسألة زواج المصاب بمتلازمة داون، قائلين: "يستطيع المصاب بمتلازمة داون الزواج والإنجاب، وقد كتب الكثير من المصابين بمتلازمة داون تجاربهم الناجحة في الزواج والإنجاب، ولكن من المعروف أن هناك أكثر من نوع لمتلازمة داون، وهناك تفاوت بينهم واختلافات فردية حسب درجة الاضطراب العقلي، ولكن مع التطور الشديد في الأساليب العلمية للتعامل مع مصابي متلازمة داون، أصبح من الأكثر سهولة التغلب على هذا الاضطراب العقلي بالتوعية المبكرة".