رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

سن اليأس | وصمة اجتماعية تصيب المرأة بعد سن الـ50

هير نيوز

سن اليأس .. بعد سن الـ50، تلك الفترة الزمنية الطبيعية في دورة حياة المرأة، حيث تبدأ الخصوبة في خلع مهامها، فتتوقف الدورة الشهرية لدى المرأة وتترافق بانخفاض الهرمونات، ولكن في الواقع، هل يمكن أن نطلق على هذه المرحلة سن اليأس؟ من أين أتت هذه العبارة وتكرست وصارت تشبه وصماً اجتماعياً؟ وما حقيقة ما يحصل علمياً ونفسياً؟

وأنا أحاول أن أتحسس المرحلة بأطراف أصابعي لأدخل رسمياً عتبة "سن اليأس" تاركة رأسي في الخارج صاغيةً إلى ما ستُمليه عليَّ أطرافي وهي تقيس حرارة المكان وصقيعه، أكلف الكتابة عن سن اليأس. أرى أن الصدفة طريفة، وربما جذبها إلى الكون لأغوص وأبحث نظرياً وتطبيقياً في "مرحلة الوحش" كما يعدها كثر.

يقول طبيبي عن تلك الهبات الساخنة التي تمر من أصابع قدمي إلى رأسي كشعلة من النار التي تقطع الأنفاس والدموع التي تنهمر لأي سبب ومن دون سبب والمزاج المتقلب الذي ربما يحتاج إلى صفعة ليتوازن قليلاً، وآلام الرأس المبرحة التي لا تتوقف، يقول إن كل هذا ليس سوى رأس جبل الجليد، وإن ما خفي أعظم.

فتحت هذه التقلبات لائحة من المشكلات الصحية التي ترافق المرحلة، وتسكن وتفتك بها كهشاشة العظام وضمور العضلات، إضافة إلى انعدام الرغبة وأعراض مختلفة بين امرأة وأخرى. أحمل رزمة من الهرمونات الطبيعية والأدوية، وأحتضن جسدي المنهك، وأضمده بإيجابية ليستمر في مرحلته الجديدة، ونكتشف معاً متعتها وفرادتها. فعبارة سن اليأس وحدها قد تجذب مشاعر مرتبكة وحالة نفسية متردية، فمن أين أتت هذه العبارة القاتلة، التي رافقها عبارة توازيها قسوة وهي أزمة منتصف العمر؟

كيف اجتاح سن اليأس اللغة؟

تحمل كلمة "اليأس" في اللغة العربية معنى الحزن والإحباط، واستخدمت لوصف مرحلة انقطاع الطمث من حياة المرأة، ولكن المفهوم دخل إلى اللغة العربية من خلال الترجمة عن اللغات اللاتينية، حيث يعرف باسم Menopause. وهو مشتق من الكلمتين الإغريقيتين "men" أي شهر و"pausis" أي توقف، ويعني حرفياً "توقف الدورة الشهرية". وقد بدأ تداول هذا المصطلح في الأوساط الطبية والعلمية، ثم انتشر تدريجاً في المجتمع. ومن غير المعروف بصورة محددة كيف اقتحمت كلمة اليأس هذه المرحلة عندما ترجمت الكتب الطبية الغربية إلى العربية في أواخر القرن الـ19 وبدايات القرن الـ20، حيث تربط المرحلة بفقدان الخصوبة والأمل في الإنجاب لدى المرأة، وكأن حياتها برمتها ترزح تحت عبء وظيفي واحد، وهو إنجاب الأطفال.

أما علمياً وطبياً فالمصطلح المستخدم هو الإياس، وهو مصطلح عربي يشير إلى انقطاع الحيض بصورة دائمة عند المرأة نتيجة لانخفاض إنتاج الهرمونات الأنثوية الإستروجين والبروجسترون، قد يبدأ من سن الـ45 وما فوق. ويستخدم مصطلح سن اليأس شعبياً، على رغم ما يحمله من دلالة سلبية، مما جعل الأطباء يقترحون استبدال مصطلحات مثل "سن النضج" أو "سن الحكمة" به.

ومما لا شك فيه أن النظرة الاجتماعية لسن اليأس تختلف بين المجتمعات، حيث تلعب التقاليد والثقافة دوراً في تشكيل هذه النظرة. فينظر بعضها إلى سن اليأس على أنه نهاية لمرحلة الأنوثة والخصوبة، بينما ترى مجتمعات أخرى أنه بداية لمرحلة جديدة من النضج، مرحلة طبيعية في حياة المرأة، تحمل في طياتها تحديات وفرصاً. من خلال فهم هذه المرحلة والتعامل معها بصورة إيجابية، يمكن للمرأة أن تستمتع بحياة صحية وسعيدة في هذه المرحلة الجديدة.

خيانة الجسد

تقول نائلة (52 سنة)، وهي أم لـ5 أطفال أنها على رغم تحضيراتها النفسية لمرحلة سن اليأس فإنها شعرت بأن جسدها بات يخونها، "كل شيء يتغير بصورة مرعبة، والهبات الساخنة تجعلني أحترق من الداخل. أتقلب في الفراش وأستيقظ متعرقة ومتعبة، وأشعر بالإرهاق طوال الوقت، وأفقد السيطرة على مشاعري، وأحس بالوحدة والحزن وكأنني هجرت للتو. أما التركيز فتحول صفراً. ومن ناحية أخرى لم أعد أحبني ولا أشعر بأنوثتي، فبشرتي جافة وشعري يتساقط، وكأنني فجأة طعنت بالسن، ولم يعد لديَّ رغبة في الحياة، ولا في العلاقة الحميمية التي باتت تسبب الألم بسبب الجفاف. باختصار أشعر أنني مريضة جسدياً ونفسياً ولا أعرف نفسي، ووحيدة على رغم محاولات زوجي تفهم وضعي فإنني أشعر أن لا أحد يفهمني. كل ما شعرت به دق نواقيس الخطر في حياتي وحياة عائلتي. فنصحتني إحدى صديقاتي التي مرت ببعض ما مررت به اللجوء إلى المساعدة الطبية، وبعض الممارسات الطبيعية والغذائية. في الواقع عندما أنظر إلى من كنت عليه قبل عام أشعر بالرعب، وأواظب على التمارين والأدوية والمكملات التي أعادت إلى طبيعتي أو في الأقل جزءاً منها".

سن الحرية

في سياق معاكس تقول سارة منصور إنها أخيراً وصلت إلى تقاعد لطيف، فلا مفاجآت شهرية، ولا قلق إذا تأخرت الدورة الشهرية "إنه نوع من الحرية بعد عقود من القلق. الآن أمارس حياتي كأنني في إجازة في كل معنى الكلمة، فالأولاد كبروا، بعضهم سافر والبعض ما زالوا يسكنون معي، لكنهم يعتمدون على أنفسهم". وعن العوارض التي تصيبها تقول "أنا بطبعي إيجابية في كل ما يحصل، فالهبات تذكرني أنني ما زلت مليئة بالطاقة، وتمنحني دفئاً غير متوقع في الشتاء، وأتعرف الآن على جسدي بكل حب، وأحتفل بكل تجعيدة جميلة، وأتخلص من تلك المزعجة. حتى إنني أشعر بلامبالاة رائعة، فلا أهتم بمراضاة أحد ولا بأمور تافهة، أحياناً أفكر أن هذا النضوج الذي كثيراً ما تمنيته طوال حياتي، وهذا السكون والصفاء الذهني الذي يرافق هذه المرحلة يجعلني أحتفي بها وأعيشها بتفاصيلها".

لم تنكر سارة أنها مرت بأيام صعبة، لكنها سرعان ما وضعتها على طاولة معالجتها النفسية، ووجدت حلولها السريعة كونها لا تحب "الدراما"، كما تقول، "بالطبع أنتبه لنظامي الغذائي كما فعلت طوال سنوات عمري. فلكل مرحلة طعامها الخاص. وعندما كنت حاملاً بأطفالي، على سبيل المثال، كنت أتناول أطعمة وفيتامينات مناسبة أيضاً، بالضبط كما أفعل الآن. المهم الآن أنني محظوظة، حيث لا مسؤوليات جساماً تلقى عليَّ، وأعيش حياتي كما أريد من دون مقاطعة مزعجة". وتختم "لا أدري كيف يسمونه سن اليأس، إنه بالنسبة إليَّ سن الحياة والحرية والقوة والمغامرات الجديدة التي لا يثنيني شيء عن خوضها".

وكأن قبله كان سن السعادة!

بلامبالاة تامة تتحدث رانيا عن سن اليأس وتقول، "كل شيء يعدونه أمراً أو حدثاً جللاً، الناس يحبون الدراما، ولكن سن اليأس ليس مرضاً، إنه مجرد مرحلة عمرية، وليسموه ما شاءوا، فالأمر بالنسبة إليَّ لا يستحق التفكير العميق، إنها مرحلة من مراحل عمري في الحياة المستمرة، ولا أريد أن أقلق حول مستويات هرمون الإستروجين في جسدي، فهذا شأن الطبيب. وأنا أعيش الفترة كأي فترة من عمري. وعلى رغم أنني لم أتزوج ولم أنجب فإنني لم أشعر بأنني خسرت فرصة أن أكون أماً كما حصل مع شقيقتي التي شيعت حياتها إلى مثواها الأخير عندما توقف الطمث المزعج. والمضحك فعلاً عندما يقولون إننا بلغنا سن اليأس وكأننا كنا نعيش قبلها سن السعادة. برأيي اليأس أو التأقلم أو السعادة قد نعيشها في أي عمر". 

تم نسخ الرابط