بقلم ملحة عبدالله: المملكة.. لها أجنحة
إن أثر تحليق أجنحة المملكة شرقاً وغرباً في تحالف وتواؤم مع جميع دول العالم بدون استثناء، ذلك لما للمملكة من ثقل يجعلها صلة وصل بين دول العالم، ولهذا أصبح لها أجنحة لا لتحلق فحسب وإنما لتربط نواحي هذا العالم المترامي الأطراف في كينونة وجودية تحمي وتؤسس وتعطي وتدعم في مطلب مهم وهو الرفاه والأمن والسلام في هذا العالم..
تحدث الكثيرون من خبراء وساسة وعلماء تنمية واقتصاد عن نهضة المملكة العربية السعودية في ثوبها الجديد على يد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده -حفظهما الله-، فسالت الأقلام، ودرَّت المحابر، وغزلت المطابع غزلاً حريرياً، لنتائج هذه النهضة وآثارها التي تعدت المملكة إلى العالم أجمع.
والحقيقة أنه لا يسجل أثرها كل ما قيل أو كل ما سيقال -من وجهة نظرنا- سوى التاريخ والأثر الفاعل على أرض الواقع، فالواقع أصدق وأحق بالدراسة والتأمل.
فالنهج الذي اتخذه ويتخذه خادم الحرمين الشريفين نهج يسابق العالم أجمع، بل يقف معه على طرف الندية بكل المفاهيم التي قد لا تخطر على بال المواطن نفسه؛ ولم يكن ذلك بجديد على أبناء وأحفاد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، الذي نهض بالمملكة للمرة الثالثة فأصبحت لاعباً مؤثراً منذ نشأتها على يده -طيب الله ثراه-، وغدت قبلة المشهد العالمي على يد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين، هذا النهج المتمثل في إرساء الأمن في هذه البلاد بل وفي العالم أيضاً، وهو ما قامت عليه الدولة منذ تأسيسها ودأب عليه الأبناء والأحفاد في سلسلة من الوفاء بالعهد الذي اتخذه على نفسه مؤسس هذه الدولة -رحمه الله-، فيقول الباحث الدكتور عبدالرحمن الشقير -المتخصص في علم الاجتماع والنثروبولوجيا-: "إن الدولة السعودية عند قيامها سعت إلى دعم الإبقاء على التجانس الاجتماعي بتعزيز الأمن وفرض العقوبات الصارمة ضد الجريمة وتهديد الأمن، مما كان له الأثر الكبير في إيجاد بيئة صحية للمجتمع".
هذه القوة وهذا الحسم اللذان تتمتع بهما المملكة لم يكونا ذا أثر كبير على المجتمع السعودي فحسب، وإنما كان ذلك الأثر حيوياً ومتفاعلاً مع العالم أجمع، فأصبحت الدولة السعودية في يومنا هذا من أهم موضوعات دراسات علم الاجتماع المعاصر ذلك لأن مقاييس المجتمع المنجز للهوية والثقافة والتراث والقيم مجتمعة فيها.
كنت أكتب كل ثلاثة أشهر عملاً مسرحياً يعالج مشكلة تلامس الواقع، وقد يندهش القارئ الكريم حينما أخبره بأنني الآن أتمهل في الكتابة -وسيظهر ذلك في تاريخ كتابة العمل في الـ(Bibliography، ببليوجرافيا) الخاصة بي، ليكون شاهداً على ما تنجزه هذه الفترة من تاريخ الوطن– وذلك لأن المشكلات تتسابق نحو الحلول، فكل يوم قرار جديد يجعلنا نشهق من فرط الدهشة.
ولم تكن هذه التغييرات التاريخية -والتي لا يتسع هذا المقال لتعدادها، وقرارات خادم الحرمين -حفظه الله- تمثل لنا دهشة فحسب، وإنما للعالم كله، فمنذ أن تولى -حفظه الله- زمام قيادة البلاد وكل يوم نجد قرارات تأخذ المملكة إلى قلب العالم وأطرافه، كما أن رؤية 2030 كانت غزلاً حريرياً صاغته يد ولي العهد محمد بن سلمان والذي ينقل مفهوم الاقتصاد السعودي من سلطة المركز إلى سلطة القاعدة في الهرم البنائي، والتي أصبحت شريكاً فاعلاً بحسب مفهوم هذه الرؤية؛ التي تحمل فكراً فلسفياً لتحويل المفهوم الاقتصادي الذي تتحول معه البنية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة إلى مفهوم الدولة الحديثة.
إن هذا التعبير عبر هذه الرؤى هو ما يطلق عليه الساسة ومهندسوها بـ(التغيير) حينما قامت الشعوب العربية ولم تقعد مطالبة به، حتى أصبحت المملكة العربية السعودية محوراً مهمًا وفاعلاً في تحريك الشأن العالمي بجميع مستوياته في السلم وفي الحرب ولا أحد ينكر ذلك.
ولكن ما يلح علينا في هذا المقام هو أثر تحليق أجنحة المملكة شرقاً وغرباً في تحالف وتواؤم مع جميع دول العالم بدون استثناء، ذلك لما للمملكة من ثقل يجعلها صلة وصل بين دول العالم، ولهذا أصبح لها أجنحة لا لتحلق فحسب وإنما لتربط نواحي هذا العالم المترامي الأطراف في كينونة وجودية تحمي وتؤسس وتعطي وتدعم في مطلب مهم وهو الرفاه والأمن والسلام في هذا العالم.
ومن ناحية أخرى كان الاهتمام الكبير -في الدولة العصرية الناهضة- بالثقافة وبالفنون، لأنهما -وبلا أي شك- مهبط العقول المفكرة والقوى الناعمة والداعمة لمفهوم الوعي والتنوير.
فإذا ما سالت الأقلام عن هذه النهضة المجيدة لَتَحدثت عن الأثر السياسي والأثر الاقتصادي والآثار جلها ودقها، ولم نسأل أنفسنا: ما دور الثقافة التي اهتم بها خادم الحرمين الشريفين وعززها ولي عهده -حفظهما الله- بهذه المشروعات الثقافية والفنية الباعثة على الدهشة، ذلك لما للثقافة والفنون من أثر في المجال الفكري والفني العربي والعالمي والذي لا يظهر في البنى التحتية في بلادنا فحسب، وإنما على بنية الشخصية ووعيها وتجهيزها لخوض غمار مستقبل عالمي مرتكز على مكنون هويتها وخصائصها، وهو ما ارتكزت عليه رؤية 2030 وظهر جلياً للعالم في كل الفعاليات التي أنجزت في غير متخيل من الوقت من الإصرار والمداومة عبر استراتيجيات محكمة يشهد بها العالم؛ ذلك لأن الثقافة بالغة الأهمية ليس لتبني أفكار هذا أو ذاك، وإنما لتحريك الوعي الإنساني وإعمال العقل وصياغة الوجدان وفنون الحب، والسلام، والحرب، فالقضية ليست تبنّي فكر مَن ولمن وكيف، وإنما القضية جلها في كيفية صياغة الإبداع في كل من هذه المجالات كعلم له قواعده ومعماره الهندسي على أسس يهتم بها العالم.
إن هذه النهضة ذات الآفاق تستمد قوتها ورسوخها من عمقها التاريخي والحضاري والثقافي حين أعلن الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- انطلاقة التأسيس للدولة السعودية الأولى عام 1139/1727، أي فيما يقارب ثلاث مائة عام من العطاء والتقدم، ومنذ ذلك اليوم وهذه البلاد المباركة تتفيأ ظلال هذه الوحدة وهذا التأسيس المبارك الذي كتب الله فيه لهذه الأرض المترامية الأطراف الإجماع والوحدة والوئام والتعايش بين أطياف مجتمعه وكذلك بين أطياف المجتمع العالمي بأسره.