وقال "علي" إن هناك حكمة من وراء وجوب الاغتسال بعد نزول المني، وهي: أن الجنابة تسبب للبدن ثقلا وكسلا، والغسل يحدث له نشاطًا وخفة، ولهذا قال أبو ذر رضي الله عنه بعدما اغتسل من الجنابة: "كأنما ألقيت عني حملا"، كما قال ابن القيم رحمه الله:" الاغتسال من خروج المني من أنفع شيء للبدن والقلب والروح، بل جميع الأرواح القائمة بالبدن، فإنها تقوى بالاغتسال، والغسل يخلف عليه ما تحلل منه بخروج المني، وهذا أمر يعرف بالحس". 

 

واستشهد الداعية الإسلامي ببحث الدكتور عبد البديع حمزة، أستاذ علم التلوث البيئي والتسمم البيئي، ووكيل معهد البحوث والاستشارات في جامعة طيبة بالمدينة المنورة، كان عنوانه: "الإعجاز العلمي في مسمى الجنابة وحكمها الشرعي"، وقال فيه: "هناك إفرازات عن طريق المثيرات والمنبهات الحرارية، وترتبط هذه الإفرازان بالأمور الجنسية، وتعمل جميع هذه الوحدات الإخراجية على إخراج السموم، وما تولد في الجسم من مركبات سامة، لتستقر على سطح البشرة، وعليه ينبغي إدراك أن السموم التي تخرج بواسطة الغدد العرقية الصغيرة أو الكبيرة لا تذهب عن الجسم ، وإنما تُجنَّب عليه فقط، حيث تنتقل من موضعها الداخلي إلى موضعها الخارجي ، أي أنها لا تزال موجودة على جسم الإنسان. 

 

ومن هنا تظهر لنا بوضوح تام المعجزة النبوية والانسجام البليغ في إطلاق اسم الجنابة على المواد التي تخرج من الجسم. 

ولا يتم الخلاص من هذه السموم المتراكمة إلا بطريق واحد فقط وهو الاغتسال، ويظهر من ذلك أن الحكمة في منع الجنب من الصلاة أو مس المصحف أو قراءة القرآن قد تكمن في هذا التغير في جسم الإنسان، والذي أوجبت الشريعة إزالته والتطهر منه. 

ولفت "علي" إلى أن الأوامر الشرعية تنقسم إلى نوعين: قسم تظهر حكمته لنا، وقسم تعجز عقولنا عن إدراك الحكمة منه، بمعنى أنه يغلب عليه جانب التعبد، وليس هناك أمر من أوامر الشرع، أو خلق من خلقه، ورائه حكمة بالغة، علمها من علمها وجهلها من جهلها. 

كما أن الشرع فرض الاغتسال بعد خروج المني، ولكنه لم يفرضه بعد خروج البول، برغم أنهما من مكان واحد وعضو واحد، والحكمة من وراء ذلك أن البول عبارة عن فضلات المأكول والمشروب، وأما المني فهو عبارة عن مادة مكونة من جميع أجزاء الجسم، ولذلك نرى الجسم يتأثر بخروج المني، ولا يتأثر بخروج البول، كما أننا نرى الإنسان بعد الجماع تضعف قوة جسمه، والغسل بالماء يرجع إلى الجسم تلك القوة المفقودة مع خروج المني.