فقه المرأة في رمضان| كيف يصوم مريض الزهايمر وحكم طعامه وشرابه؟
الخميس 06/أبريل/2023 - 10:39 ص
كمال الناحل
ورد سؤالا إلى دار الإفتاء المصرية، جاء فيه: ما حكم صيام مريض ألزهايمر الذي ينسى فيأكل أو يشرب ناسيًا في نهار رمضان؟
حكم صيام مريض ألزهايمر
ويجيب عن ذلك السؤال، فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية، والذي قال: مرض ألزهايمر داءٌ يصيب العقل، وله أعراضٌ ومراحل؛ تبدأ بالنسيان وتناقصٍ في الذاكرة، وتنتهي بفقدان الذاكرة كلّيّةً، وقد جاء ذكرُ قريبٍ من هذا في النصوص الشرعية؛ فقال تعالى: ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ [النحل: 70].
قال الإمامُ الفخر الرازي في تفسيره "مفاتيح الغيب" (20/ 239، ط. دار إحياء التراث العربي): [وهو إشارة إلى مراتب عمر الإنسان، والعقلاء ضبطوها في أربع مراتب: أولها: سن النشوء والنماء. وثانيها: سن الوقوف وهو سن الشباب. وثالثها: سن الانحطاط القليل وهو سن الكهولة. ورابعها: سن الانحطاط الكبير وهو سن الشيخوخة] اهـ.
ويبيِّن الإمام البيضاوي في تفسيره "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" (3/ 233، ط. دار إحياء التراث العربي) معنى قوله تعالى: ﴿لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ أي: [ليصير إلى حالة شبيهة بحالة الطفولية في النسيان وسوء الفهم] اهـ.
استعاذة النبي من داء الخرف
استعاذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مِن أنْ يُردَّ إلى أرذل العمر؛ فقد روى الإمام البخاري في "صحيحه" عن عبد الملك بن عمير، سمعتُ عمرو بن ميمون الأودي قال: كان سعد يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة، ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يتعوذ منهن دبر الصلاة: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ». فحدثت به مصعبًا فصدقه.
حكم مَن أكل أو شرب ناسيًا في نهار رمضان
المختار للفتوى أن من أكل أو شرب ناسيًا في نهار رمضان فلا قضاء عليه ولا كفارة وصيامه صحيح؛ وذلك لِما روي في "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ».
وفي رواية أخرى للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ».
وروى ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" والدارقطني في "سننه" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِياً فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلا كَفَّارَةَ».
قال الإمام النووي في "المجموع" (6/ 324، ط. دار الفكر) عن إسناد هذا الحديث: [صحيح أو حسن] اهـ.
وهذا هو قول جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، ففي متن "الكنز" وشرحه للزيلعي من كتب الحنفية "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (1/ 322، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(فإن أكل الصائم أو شرب أو جامع ناسيًا.. لم يفطر) أما إذا أكل أو شرب أو جامع ناسيًا؛ فلما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ»؛ ولأن النسيان غالب للإنسان فلو كان مفطرًا لَحَرِجُوا وهو مدفوع بالنص بخلاف الإحرام في الحج والصلاة والاعتكاف؛ لأن حالته مذكرة، وهذا لأن هيئته في هذه الأشياء تخالف هيئة العادة وفي الصوم لا تخالف فلا مذكر له فيه، ولا يقال المراد بالحديث الإمساك تشبهًا كالحائض إذا طهرت وغيرها ممن وجد منه ما ينافي الصوم؛ لأنا نقول: أمره بإتمام صومه وبالإمساك تشبهًا لا يتم صومه والمأمور به هو الإتمام للصوم، والذي يؤيد هذا المعنى ما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إِذَا أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللهُ إِلَيْهِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ» رواه الدارقطني، وقال: إسناده صحيح وكلهم ثقات فإذا ثبت في الأكل والشرب ثبت في الجماع دلالة؛ لأنه في معناه] اهـ.
حكم صيام مريض ألزهايمر الذي أكل أو شرب ناسيًا في نهار رمضان
إذا كان الشرع لم يحكم بإبطال صيام من أكل أو شرب ناسيًا من الأصحاء، فإنه لا يحكم بإبطال صيام من فعل ذلك من مرضى النسيان من باب أولى.
كما أن مريض ألزهايمر) الذي ينسى فيأكل أو يشرب في نهار رمضان داخل في حكم الناسي، لعموم الأخبار السابقة، ولأن النسيان المذكور فيها هو مطلق النسيان، فيصدق على مريض ألزهايمر كما يصدق على غيره، حتى ولو كان مريض ألزهايمر صورة نادرة، وهي التي يُراد بها: ما لا يخطر غالبًا ببال المتكلم؛ لندرة وقوعه.
وبناءً على ما سبق: فمريض ألزهايمر إذا أكل أو شرب ناسيًا في نهار رمضان فصيامه صحيحٌ، ولا قضاء عليه ولا كفارة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.