الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

هل استيقظت ضمائرنا أم أنها توابع الزلزال!

الأربعاء 08/فبراير/2023 - 07:15 م
هير نيوز

في 2018، اصطحبني كلاوس شترونز، رئيس تحرير المحتوى التلفزيوني والرقمي في صحيفة وموقع بيلد الألماني، في جولة بمقر "أكسل شبرينغر" – واحدة من أكبر دور النشر والتوزيع في ألمانيا، التي تأسست عام 1946 وتصدر "بيلد" و"دير شبيغل" واستحوذت مؤخراً على مجلة وموقع "بوليتيكو" الأمريكية.

تحدث شترونز عن سياسة المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل، التي فتحت الباب على مصراعيه للاجئين السوريين دون خطة لإدماجهم في المجتمع الألماني.

قال – ونحنُ بمنطقة معينة في إحدى المقاطعات الألمانية - قصد أن نذهب إليها تحديدا:
"عندما نعبر هذا الطريق، ستشعرين أنك لست في ألمانيا- بل لست في أوروبا كلها".

كان مستاءً من وجود هذه الآلاف من اللاجئين في بقعة واحدة في ألمانيا، بأفكارهم، بطريقة عيشهم. دون أن يكون لدى الحكومة - على حد زعمه - خطة لإدماجهم في المجتمع الذي يعيشون فيه.
قال مدافعاً عن وجهة نظره: "الألمان جميعهم يتذكرون تاريخهم الذي لم يبتعد بعد".
في 2015، حينما وصلت القطارات الممتلئة باللاجئين السوريين الهاربين من الحرب المدمّرة في بلادهم، كان ذلك بمثابة "ديجافو" لنا نحن الألمان. تذكّرنا كل من دفعهم النازيون للهرب من القتل والتنكيل، ففتحنا الأبواب والقلوب للاّجئين. لكن ماذا فعلت الحكومة؟ صحيح أنها فتحت الباب لأكثر من مليوني لاجئ، لكن إذا سلّمنا بنظرية أنّ كل مجتمع يحتوي على نسبة من خمسة لعشرة في المائة من المخربين والمجرمين، يعني هذا أن مئتي ألف من هؤلاء يعيشون بيننا!! فمن يحمي الألمان منهم؟!".

كان هذا منذ 5 سنوات تقريباً. أما بالأمس (6 فبراير 2023)، وفي صحيفة وموقع "بيلد" - أكثر الصحف الألمانية انتشارا وإثارة للجدل واجتزاءً للأحداث - نشر كلاوس شترونز مقالاً بعنوان: "يوم مثل الجحيم".

كتب يقول: "حتى وإن كانت لنا اختلافاتنا الجذرية مع الآخر، لا يصح أن نقول في هذا اليوم الكئيب إلا شيئا واحداً: الرحمة والإنسانية أقوى وأهم بكثير من أي نزاعٍ سياسي أو اختلاف ديني".

بل إنه أعلن في مقاله عن حملة مساعدات بدأتها صحيفة بيلد لمساعدة الأطفال من ضحايا كارثة الزلزال في سوريا وتركيا قائلا: "الإنسانية لا تعرف الحدود. الأمر بهذه البساطة".

فإذا كان هذا موقف كاتب من اليمين، في صحيفة ليست فقط يمينية بل معروفة بأنها صحيفة صفراء، لا يُستغربُ أن تهبّ دول العالم المتصارعة والمتناحرة للمساعدة وتقديم يد العون لضحايا هذه الكارثة الإنسانية.

فرغم النزاعات الحدودية بين تركيا واليونان، تعهد رئيس الوزراء اليوناني بتقديم كل ما يمكن من المساعدات لتركيا (وبدأ ذلك بالفعل). كذلك فعلت السعودية ومصر والولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا وبلغاريا والتشيك وغيرها من الدول، وقبل الحكومات تحرّكت الشعوب، فتناقلت - بعد ساعات قليلة من الكارثة - طرقا ومواقع للتبرع والمساعدة.

تضامنٌ جيّدٌ ومنطقي يُخفّف - ولو قليلاً - من وطأة الكارثة. لكنه – في نفس الوقت - يدفعنا لنواجه أنفسنا بتساؤلٍ جوهري: ألا نتضامن مع بعضنا البعض في هذا العالم إلا عند حدوث الكوارث الطبيعية؟ (وليس بفعل الحرب أو القنابل أو الانفجارات!) معقول ألا تتحرك عواطفنا إلا عندما نرى أطفالاً يختنقون أسفل أنقاض منازلهم المدمّرة؟ بينما قبلها وبعدها تسُود الفرقة والتعصُّب والدوجما؟ أليس هذا - في حد ذاته - محنة صامتة؟ أليس الأَوْلَى - بعد التضامن في المحنة العلنيّة، أن نفكّر - جميعاً - كيف نقاوم المحنة المسكوت عنها؟

مقال رأي نقلا عن العربية نت

ads