بعد عروسة كفر الدوار.. الإفتاء: يحق للزوجة أن تشترط بالعقد ما يحقق مصلحتها
بعد الضجة التي أثارتها عروسة كفر الدوار، أمنية طارق، والتي عرفت بـ "عروسة كتب الكتاب، من اشتراطها شروطا على عريسها قبل عقد القران، يتساءل البعض هل من حق الزوجة أو وكيلها أن تشترط شروطا في عقد الزواج حرصًا على مستقبلها، ومنها مثلا إتمام دراستها الجامعية، والعمل بعد التخرج وأداء الخدمة العامة، وهل في مثل هذه الشروط مخالفة للدين والشرع، وهل يمنع هذا الشرط أو أي شرط آخر غير مخالف للدين والشرع توثيق القسائم في المحكمة والسجل المدني، هل يمنع قانون الأحوال الشخصية مثل هذه الشروط؟ ذلك ما نعرفه بالتفصيل من خلال فتاوى دار الإفتاء المصرية.
حق الزوجة في وضع شروط قبل عقد الزواج
ويجيب عن تلك الأسئلة، فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الأزهر، مفتي الجمهورية السابق، والذي قال: يحقُّ للزوجة أن تشترط في عقد الزواج لنفسها أي شرط يحقق مصلحتها ولا يعارض مقتضى العقد، كشرط إكمال الدراسة أو العمل، فهذا الشرط في ذاته لا مخالفة فيه للدين، وقانون الأحوال الشخصية لا يمنع مثل ذلك، إلا أنه قد اعتدَّ به شرطًا مانعًا للحكم بنشوز الزوجة إذا خرجت دون إذن الزوج لإتمام دراستها أو للعمل ولم يضع جزاءً ملزمًا للزوج بتنفيذه، كما لم يعطِ للزوجة حق طلب الطلاق بسببه.
شروط عقد الزواج
إن عقد الزواج متى تم بإيجاب وقبول منجزًا مستوفيًا باقي شروطه الشرعية كان عقدًا صحيحًا مستتبعًا آثاره من حقوق وواجبات لكل واحد من الزوجين، والعقد المنجز: هو الذي لم يُضَفْ إلى المستقبل، ولم يُعَلَّق على شرط، لكنه قد يقترن بالشرط الذي لا يخرجه عن أنه حاصل في الحال بمجرد توافر أركانه وشروطه الموضوعية، والشرط المقترن بعقد الزواج لتحقيق مصلحة لأحد الزوجين ثلاثة أقسام:
أحدها: الشرط الذي ينافي مقتضى العقد شرعًا كاشتراط أحد الزوجين تأقيت الزواج أي تحديده بمدَّة أو أن يطلقها في وقت محدد فمثل هذا الشرط باطل ويبطل به العقد باتفاق الفقهاء.
الثاني: الشرط الفاسد في ذاته، مثل أن يتزوجها على ألا مهر لها، أو ألا ينفق عليها، أو أن تردَّ إليه الصداق، أو أن تنفق عليه من مالها، فهذا وأمثاله من الشروط الباطلة في نفسها؛ لأنها تتضمن إسقاطًا أو التزام حقوق تجب بعد تمام العقد لا قبل انعقاده، فصحَّ العقد وبطل الشرط في قول جميع الفقهاء.
الثالث: الشرط الصحيح عند أكثر الفقهاء وهو ما كان يقتضيه العقد كاشتراطه أن ينفق عليها، أو أن يحسن عشرتها، أو كان مؤكدًا لآثار العقد ومقتضاه؛ كاشتراط كفيل في نفقتها وصداقها، أو ورد به الشرع؛ كاشتراط الزوج أن يطلقها في أي وقت شاء، أو اشتراطها لنفسها أن تطلق نفسها متى شاءت، أو جرى به عرف؛ كأن تشترط الزوجة قبض صداقها جميعه أو نصفه، أو يشترط هو تأخير جزء منه لأجل معين حسب العرف المتبع في البلد الذي جرى فيه العقد، وقد يكون الشرط غير منافٍ لعقد الزواج كما لا يقتضيه العقد، وإنما يكون بأمر خارج عن معنى العقد؛ كالشروط التي يعود نفعها إلى الزوجة، مثل: أن تشترط ألا يخرجها من دارها أو بلدها أو ألا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها، فهذا أيضًا من باب الشروط الصحيحة، لكن الفقهاء اختلفوا في وجوب الوفاء بها على طائفتين:
إحداها: أن هذه الشروط وأمثالها وإن كانت صحيحة في ذاتها لكن لا يجب الوفاء بها وهو قول الأئمة أبي حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي والليث والثوري.
الطائفة الأخرى: أن الشرط الصحيح الذي فيه نفع وفائدة للزوجة يجب الوفاء به، فإذا لم يفِ به الزوج كان للزوجة طلب الطلاق قضاء، روي هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وأحمد بن حنبل، وأدلة كل من الطائفتين على ما قال مبسوطة في محلِّها من كتب الفقه.
ومما تقدم يتضح أن الشرط الوارد في السؤال من الشروط الخارجة عن ماهية عقد الزواج المقترنة به، وفيه نفع وفائدة للزوجة، ويدخل بهذا ضمن الشروط الصحيحة التي يجوز اشتراطها، لكن لا يلزم الوفاء به في رأي جمهور الفقهاء، ويجب الوفاء به في مذهب الإمام أحمد بن حنبل ومن وافقه، والشرط ذاته لا مخالفة فيه للدين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.