أمهات المؤمنين.. السيدة "سودة بنت زمعة" المعطاءة
الثلاثاء 22/يونيو/2021 - 11:20 ص
سمر دسوقي
أم المؤمنين السيدة سودة بنت زمعة بن قيس العامريَّة القرشيَّة (ت 54هـ= 674م) هي أوَّل امرأةٍ تزوَّجها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد خديجة رضي الله عنها، أمها الشموس بنت قيس بن عمرو النجارية، وهي إحدى السابقات إلى الإسلام؛ حيث أسلمت رضي الله عنها في بداية الدعوة مع زوجها السَّكران بن عمرو رضي الله عنه، وهاجرت معه في الهجرة الثانية إلى بلاد الحبشة، بعدما اشتدَّ عليهما أذى المشركين، وقيل: مات زوجها في بلاد الحبشة، وقيل: مات بعد أن رجعا إلى مكة قبل الهجرة إلى المدينة المنوَّرة، وبعد وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها خَطبت السيدةُ خولة بنت حكيم أُمَّنا سودة علىٰ سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
زواجها من سيدنا محمد
عن ابن عباس قال: كانت سودة بنت زمعة عند السكران بن عمرو -أخي سهيل بن عمرو- فرأت في المنام كأن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل يمشي حتى وطئ على عنقها، فأخبرت زوجها بذلك، فقال: وأبيك لئن صدقت رؤياك لأموتَنَّ وليتزوجنَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: حجرًا وسترًا (تنفي عن نفسها ذاك). ثم رأت في المنام ليلةً أخرى أنَّ قمرًا انقضَّ عليها من السماء وهي مضطجعة، فأخبرت زوجها، فقال: وأبيك لئن صدقت رؤياك لم ألبث إلَّا يسيرًا حتى أموت، وتتزوجين من بعدي. فاشتكى السكران من يومه ذلك، فلم يلبث إلَّا قليلًا حتى مات وتزوَّجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
قالت خولة بنت حكيم السلمية امرأة عثمان بن مظعون: (أيْ رسول الله، ألا تزوَّج؟ قال: "مَنْ؟" قلت: إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا. قال: "فَمَنِ الْبِكْرُ؟" قلت: ابنة أحب خلق الله إليك: عائشة بنت أبي بكر. قال: "وَمَنِ الثَّيِّبُ؟" قلت: سودة بنت زمعة بن قيس، آمنت بك، واتبعتك على ما أنت عليه. قال: "فَاذْهَبِي فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ". فجاءت فدخلت بيت أبي بكر...
ثم خرجتُ فدخلتُ على سودة، فقلتُ: يا سودة، ما أدخل الله عليكم من الخير والبركة!
قالت: وما ذاك؟
قلت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبك عليه.
قالت: وَدِدْتُ، ادخلي على أبي فاذكري ذلك له.
قلت: وهو شيخٌ كبيرٌ قد تخلَّف عن الحج، فدخلتُ عليه، فقلتُ: إنَّ محمد بن عبد الله أرسلني أخطب عليه سودة.
قال: كفءٌ كريم، فماذا تقول صاحبتك؟
قالت: تحبُّ ذلك.
قال: ادعيها. فدعتها، فقال: إنَّ محمد بن عبد الله أرسل يخطبك وهو كفءٌ كريم، أفتحبِّين أن أزوِّجك؟
قالت: نعم.
قال: فادعيه لي. فدعته، فجاء فزوَّجها إيَّاه.
وتزوجها النبي وهي في السادسة والستين من عمرها -وقيل في الخامسة والخمسين- إكرامًا لها، وهي السابقة إلى الإسلام، الصٍّدِّيقة، المُهاجرة، فكانت ثاني زوجاته صلى الله عليه وسلم.
ولم يتزوج سيّدنا رسول الله معها امرأة نحوًا من ثلاث سنين.
صفاتها
وقد كانت رضي الله عنها كريمة المعشر، تُضفي السعادة والبهجة علىٰ قلب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد أورد ابن سعد في طبقاته: أنَّها صلّت خلف النبي ذات مرّة في تهجّده، فثقلت عليها الصلاة؛ لطول صلاته صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحت قالت له: «صَلَّيْتُ خَلْفَكَ الْبَارِحَةَ، فَرَكَعْتَ بِي حَتَّىٰ أَمْسَكْتُ بِأَنْفِي مَخَافَةَ أَنْ يَقْطُرَ الدَّمُ» فَضَحِكَ النبي.
وكانت رضي الله عنها سخيَّة معطاءة تحب الصدقة حتى إن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث إليها بدراهم في غرارة (وعاء يوضع فيه الأطعمة)، فقالت: ما هذه؟ قالوا: دراهم، قالت: في غرارة مثل التمر؟ ففرقتها بين المساكين.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: اجتمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقلنا: يا رسول الله، أيُّنا أسرع لحاقًا بك؟
قال: "أَطْوَلُكُنَّ يَدًا". فأخذنا قصبةً نذرعها، فكانت سودة بنت زمعة بنت قيس أطولنا ذراعًا. قالت: وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت سودة أسرعنا به لحاقًا، فعرفنا بعد ذلك أنما كان طول يدها الصدقة، وكانت امرأة تحب الصدقة.
كما وهبت رضي الله عنها يومها من رسول الله للسيدة عائشة رضي الله عنها بعد أن كبرت سِنُّها، عن طيب نفس منها.
رواياتها عن الرسول
روت رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أحاديث، وشهدت معه يومَ خيبر، وحَجَّةَ الوداع.
ومن بين ما روته:
عن السيدة سودة بنت زمعة رضي الله عنها قالت: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع أن يحج. قال: "أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ عَنْهُ، قُبِلَ مِنْهُ؟" قال: نعم. قال: "فَاللَّهُ أَرْحَمُ، حُجَّ عَنْ أَبِيكَ".
وعنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُبْعَثُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ وَبَلَغَ شُحُومَ الآذَانِ". فقلت: يبصر بعضنا بعضًا؟ فقال: "شُغِلَ النَّاسُ {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37]".
وعنها رضي الله عنها: أنها نظرت في رَكْوةٍ فيها ماء، فنهاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال: "إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْهُ الشَّيْطَانَ".
لازمت السيدة سودة بيتها بعد أن لحق سيّدنا رسول الله بالرفيق الأعلى، ولم تحج بعده إلى أن تُوفِّيت في خلافة سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما -وقيل في خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه- بعد أن أوصت ببيتها للسيدة عائشة رضي الله عنهما وعن أمَّهاتنا أمَّهاتِ المؤمنين.
ممَّن روى عنها من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما، وممَّن روى عنها من التابعين يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن، ويوسف بن الزبير، ومولى الزبير بن العوام.
وفاتها
توفيت أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها في آخر زمان عمر بن الخطاب، ويقال: ماتت رضي الله عنها سنة 54هـ.