الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

دكتورة فاطمة سيد أحمد تكتب: كيف ولماذا حكم «السيسي» مصر؟.. الجمهورية الثانية والدستور

الأربعاء 17/مارس/2021 - 05:27 م
دكتورة فاطمة سيد
دكتورة فاطمة سيد أحمد

ما أعلنه الرئيس «السيسى» عن إقامة (الجمهورية الثانية) لمصر يجعلنا نراجع مسرحنا السياسى على مَدار عشر سنوات بدأت من 2011، وأن نعى كل تحرُّك وإعلان دستورى وحتى الدستور الذى نحن بصدده الآن لم تحمل ديباجته توصيفًا للجمهورية الثانية وبدايتها ومؤسِّسها «السيسى»، وهذا ضرورى أن يعاد النظر فيه بجدية وحسم، ومع مراجعتنا للأحداث نقف على ثلاث حقب زمنية فى خلال تلك السنوات العشر مارسنا فيها (الجمهورية دون توصيف لوضعها)، وهى مَرحلة إدارة المجلس العسكرى لإدارة شئون البلاد من 2011 حتى 2012، وهى المَرحلة الانتقالية الأولى، ثم اعتلى حُكم المرشد ليُسقط الجمهورية عَمدًا لحساب الخلافة الإسلامية التى يتشدقون بها، ولذا بقيت الجمهورية دون ممارسة، أو بالأرجح جُمدت.

ثم حكم الرئيس المؤقت (عدلى منصور)، وهى المَرحلة الانتقالية الثانية التي بدأت من 3 يوليو 2013 حتى أبريل 2014 ليتسلم الحكم بشكل دستوري وشعبى «الرئيس السيسى» الذى بإعلانه ولادة الجمهورية الثانية تصير فترة السّت سنوات التى قضاها فى الحكم (مرحلة انتقالية) لإعداد البلاد لجمهورية ثانية جديدة شكلاً ومضمونًا، باقية على مكتسبات الشعب واضعة عَقدًا اجتماعيًا جديدًا، متضمنة حقوقه وواجباته بما يساير الوضع العصري والحضاري للإنسان الحديث، وهو ما يوصلنا بأن تلك السنوات العشر ما هي إلا مَرحلة انتقالية، وهناك أمثلة لدول عاشت مثلنا حقبًا انتقالية طويلة لإعادة بناء نفسها وولادة شكل جديد للبلاد، مثل: (إندونيسيا) التي استمرت الحالة الانتقالية فيها 9 سنوات و(البرتغال) 12 عامًا و(رومانيا) 18 عامًا، وقد كتبتُ هذا سَلفًا ونَقله عنّا آخرون، إذن المَرحلة الانتقالية تنتهى بإعلان تأسيس الجمهورية الثانية وإرساء قواعدها ومبادئها وفلسفتها لنضع نقطة ونبدأ سَطرًا جديدًا يُسطر فى تاريخ الوطن.

وبما أنى قد أنهيت الجزء الأول من (كيف ولماذا حكم السيسى مصر؟) العام الماضى وكانت الحلقات تخص (كيف؟) وكاشفة للمسرح السياسى الذى وضع «السيسى» فى دائرة الضوء أمام الشعب المصرى بعد أن تمّت إزاحة الستار عن المؤامرة الكبرى التى أدارها للأسف بعضٌ من أبناء الوطن، منهم حزبيون وتيارات سياسية مختلفة جميعها طامعة وليذهب الشعب والبلد إلى الجحيم، المهم كرسى السُّلطة وحفنة الدولارات. وبانتقالي للجزء الثانى (لماذا؟) وصل «السيسي» إلى حكم مصر، وما هى الأحداث التى دفعت الشعب لاختياره، ودلالات ذلك، وهو ما وضع (حلقات لماذا؟) فى نقطة تماس موصولة مع ما أعلنه «السيسى» فى يوم الشهيد الذي نُجلّه ليزفَ لأرواحهم بُشرَى بأن لولاهم ما قدرت مصر على الصمود وقبول التحدي ودخول عصر جديد مَروىّ بدمائهم الذكية إلى الجمهورية الثانية.

وقد نقلنا الرئيس «السيسى» نقلة نوعية اجتماعيًا وسياسيًا بإعلانه ولادة الجمهورية الثانية لمصر بعد استقرار مؤسَّسات الدولة فى مَقارها الجديد بالعاصمة الإدارية الجديدة، التى موقعها الجغرافى سيكون فى محافظة القاهرة، يعنى النطاق المكانى سيختلف، ولكن يبقى التوصيفُ لكل المؤسّسات السيادية التى ينص الدستور على أن تكون بالقاهرة عاصمة الدولة كماهى؛ لأن العاصمة الجديدة فى نطاق محافظة القاهرة أيضًا، ويبقى التوصيفُ السياسى الدقيق الذى ينعكس بدوره على الحياة الاجتماعية للمواطن، وهو ما يجب أن يوضّح فى الدستور.

وأعرب «السيسي» عن فلسفة (حُكمه ) لمصر وأعلن تمهيدًا لقيام جمهورية ثانية لمصر.. لماذا؟

اعتبر «السيسى» أن قيام الجمهورية منذ ثورة 23يوليو 52 حتى 11 فبراير 2011 يوم تنحّى «مبارك» جميعها حلقات حُكم متتالية ومتواصلة حتى أوقفها الشعبُ صاحبُ السيادة والكلمة الفاصلة فى 25 يناير 2011 عندما أصَرّ على (إنهاء صلاحية الجمهورية الأولى) التي وُصفت بالشيخوخة والفساد والانحراف بمسار الجمهورية إلى (حُكم التوريث) والذى بدوره غير مقبول شكلاً ومضمونًا مع طبيعة الشعب المصرى.

ومع أني كتبت نحو 55 حلقة منذ عامَين بمُسَمّى (الجمهوريات الأربع) كنت فيها دقيقة بأن يكون لكل رئيس حَكم مصرَ منذ عام 1952 مسارٌ حدّد به جمهوريته، ومع أن الحلقات لم تكتمل فقد أوقفتها عند منتصف حُكم مبارك لاستكمالها فيما بعد، وكان حُكم الرئيس «السيسى» من منظور هذه الحلقات (الجمهورية الرابعة) إلّا أن الفلسفة السياسية لثورة 30 يونيو 2013 أفرزت معنى آخر لدى القيادة السياسية الآن التى تتوافق وديباجة الدستور الذى نحن بصدده، إذ قال «تأمل الإنسانية أن ننتقل من العصر الرشيد إلى عصر الحكمة» التى تسوده الحقيقة وتُصان فيه الحقوق، ومن هنا وضع الرئيسُ يدَه على الحقيقة، ولكنها لم تذكر فى الدستور الذى هو كتاب شارح لما يمر به الوطن، وهو التوصيفُ الدقيق للحالة المصرية منذ 52 حتى الآن، فوجد أن الجمهورية الأولى صلحت مسارها وعالجت توابعها بمراحل رئيسية متعددة من «محمد نجيب» الذى احتضن ثورة يوليو، ولكن لم يكن على وعى بفلسفتها ومبادئها، فاستلمها «عبدالناصر» مُلهم الثورة وطبَّق فلسفة الثورة التى نادَى بها من توزيع للثروة وتأميم الممتلكات المصرية التى يملكها الأجانب وعلى رأسها قناة السويس، وعندما أراد إقامة دولة حديثة ومشروعات تنموية وقفت كل القوَى الخارجية ضده وأعاقته، وقَبل التحدّى وأقام (السد العالى)، ولكن التحدى كان أكبر من إمكانيات مصر العسكرية لخوض حروب متكررة غير متكافئة فكانت النكسة، ورحل «ناصر» والتركة التى أورثها لمَن بَعده ثقيلة، استكمال إعادة بناء الجيش على أسُس حديثة وتطوير أدائه وقبلهما بناء شخصية مصرية جديدة تستعد لمواجهة استرداد أرضها وكرامتها، وكان الرئيس «السادات» قدر المسئولية وكانت لديه حنكة وأداء مختلف عن «ناصر»، ومعه خُضنا معركة الحرب والسلام حتى استشهد فى أكتوبر 81 بيد إرهاب غادر رافض الاستقرار للأمّة المصرية، وتَسَلّم نائبه (الرئيس مبارك) ليكمل مشوار السلام ورد الأرض المصرية كاملة فكانت معركة التفاوض التاريخية لاسترداد (طابا المصرية)، ورث هو الآخر تركة التنمية بعد الحرب التي استمرت أعوامًا لم تترك لنا أي خيار اقتصادي سوى الانخراط فى الاستثمار المفتوح دون قيود داخليًا وخارجيًا، وهو ما جعل الفساد يستشري في ظل حُكم استمر ثلاثين عامًا على وتيرة واحدة حتى مَلّه الناس وطلبوا التغيير فتم التلويح من أصحاب المنفعة وأعدّوا العدّة لنظام حُكم توريثى (لابن الرئيس)، وهو ما لم يستسيغه الشعب ولا المؤسّسة السيادية الأكبر والمسئولة عن حماية الأرض والشعب ومكتسباته وحقوقه (الجيش)، ولذا انحاز لثورة يناير وحافظ على الدولة من التفكيك بقدر الإمكان.

وساند خروج الشعب ثائرًا فى 25 يناير 2011 مناديًا بالعيش وبالحرية والعدالة متأملاً حياةً أحسن فى كل شىء بشرط أن الجمهورية التى (شاخت) عليها أن تترك السُّلطة وتنضم إلى صفوف المواطنين وأن الشعب رافض لمشروع (التوريث)، ومعاقبة كل من شارك فى إفساد الحياة السياسية والاقتصادية وتوابعهم الاجتماعية التى أنتجت فروقًا طبقية وعدم تكافؤ فرص، ولم يتنازل الشبابُ الثائر إلا بالتنحّى والإبعاد لتقوم قومة أخرى للبلاد، وكانت هناك جماعة تنتظر هذا الفوران السياسى لتدخل المعترك بأدوات الدِّين ومدعومة من قوى خارجية تريد الكثير من مصر وأولها الشريان العالمى (قناة السويس) الذى ردته مصر إلى مكانه الطبيعى لأنه من ممتلكات الشعب وعلى أرضه، ولكن القوَى الخارجية لم تنس أنه تم نزعه من بين أنيابها وكيف كان ضمن أدوات الحرب فى عام 73 ومن هنا كانت الأعين عليه وسيناء الأرض التي تربط إفريقيا بآسيا وتعتبر عمق أمن قوميًا لإسرائيل الحليف الأول للقوَى الخارجية فى منطقة الشرق الأوسط.

ومن حُكم الإخوان وقبلها إدارة شئون البلاد بواسطة المجلس العسكرى الذى كلفه آخر رئيس فى الجمهورية الأولى بأن (يتولى شئون البلاد).. ونضع خَطًا تحت كلمة (البلاد) وليس (إدارة شؤون جمهورية مصر العربية)، وهنا ختم الرئيس «مبارك» بنفسه فترة (صلاحية الجمهورية الأولى) وسَلّمَ مصر بلدًا غير موصوف بالجمهورية، إلا أن الإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس العسكرى بعد أن تم إلغاء الدستور هو الذي استحضر مرّة أخرى (الجمهورية) حتى لا تفقد مصرُ هويتها السياسية ومعاهداتها ومواثيقها الدولية.

واستحضار ( الجمهورية) فى نظر العسكريين كان من مهام التكليفات الشعبية له بأنه صاين لحقوقه ومسئول عن حماية الديمقراطية والدولة المدنية التى تتمتع بها الخصوصية المصرية، ولا ننسى الإعلان الدستورى المُكمل الذى أصدره المجلس العسكرى وذكر فيه أن المجلس قائم للحفاظ على الديمقراطية والهوية المدنية حتى يثبت أى نظام أو رئيس قادم عدم تلاعبه فى تلك المكتسبات الشعبية التى لا يجوز تحت أى ظرف استبدالها أو الإطاحة بها، وكان ذلك قَبل إعلان رئيس للدولة فى 2013 بعد أن اشتم المجلس التزوير والدعم الأجنبي للإخوان ليتصدر الحُكم فى ظل تهاوى الدولة وما أصابها، ولكن أول شىء قام به (مرسى وجماعته) كان إلغاء الإعلان الدستوري والإطاحة بالمجلس العسكري الذي أوجده، وهذا كان أمرًا طبيعيًا لحُكم المرشد الذى أبدًا لن يبقى على التوصيف الجمهورى بل حُكم إخوانى تتوارثه الجماعة حتى وضعوا له مدة لا تقل عن (500 سنة) يحكمون مصر وشعبها. ومن هنا نواصل (لماذا حَكم السيسي مصر؟).


عضو الهيئة الوطنية للصحافة
_____________
نقلاُ عن مجلة روز اليوسف

ads