رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم علي الشريمي: البسام وتوثيق الأزياء السعودية

هير نيوز

بقلم علي الشريمي: البسام وتوثيق الأزياء السعودية.. لم يكن لقائي بـ«الدكتورة ليلى البسام» مجرد حديث عن الموضة أو التراث، بل أشبه بجلسة مع الزمن ذاته. تتكلم عن الثياب كما لو كانت تحكي عن أشخاص، عن ذوق، وعن ذاكرةٍ مخبوءة في طيّات الأقمشة. صحيح لم أقرأ كتابها «الأزياء التقليدية السعودية - المنطقة الوسطى» كاملًا، لكنه كان بين يديّ، قلّبته وتصفّحته، وسمعت منها مباشرة عن رحلته الطويلة، ورأيت كيف تحوّلت أطروحة الدكتوراه إلى عمل توثيقي ثقافي رفيع، يُعدّ اليوم من المراجع الأساسية في هذا الحقل المهم من تراثنا.

بقلم علي الشريمي: البسام وتوثيق الأزياء السعودية.. الكتاب، الذي صدر عن دارة الملك عبدالعزيز، جاء في مجلد فاخر الطباعة والإخراج، مدعومًا بتوثيق بصري فني للملابس التراثية في قلب نجد. وعملت البسام على جمع المادة بأسلوب ميداني علمي، مع المصور المبدع «عبدالله المشرف» استطاعت من خلاله أن ترصد تفاصيل الأزياء الرجالية والنسائية في المنطقة الوسطى، من القصيم والرياض إلى حائل، من الخامات والأقمشة، إلى الزخارف والغرز، إلى أغطية الرأس ومكملات الزي.

بقلم علي الشريمي: البسام وتوثيق الأزياء السعودية.. ما لفتني في حديثها أنها لم تكن تنظر إلى الزي التقليدي باعتباره شيئا «من الماضي»، بل تراه جزءًا حيًا من الهوية، قابلًا للتجدد، ويستحق أن يُستدعى بروح العصر. وترى أن الماضي لا يعود بكامله، لكن جذوره تبقى حيّة، نستلهم منها ما يُشكّل خصوصيتنا الثقافية وسط تحولات الحاضر.

بقلم علي الشريمي: البسام وتوثيق الأزياء السعودية.. في حديثها، بدا واضحًا أن الزي ليس فقط قطعة تُرتدى، بل هو سجل حي لعلاقة الإنسان ببيئته ومجتمعه ومعتقده. فالزي النجدي مثلًا، يعكس بيئة صحراوية حارة، لذا كان فضفاضًا، خفيف اللون، يساعد على التهوية، ويحمل في الوقت نفسه دلالات رجولة وهيبة، من خلال الأحزمة والسيوف والزينة المرتبطة بالمقام الاجتماعي.

بقلم علي الشريمي: البسام وتوثيق الأزياء السعودية.. اللافت أيضًا أن أكثر من ثلثي الكتاب خُصص لأزياء الرجال والنساء، ليس فقط بوصفها عناصر مرئية، بل لكونها مرتبطة بطبقات المجتمع، بمناسباته، بثقافته، بعلاقته بالمكان والدين والبيئة. ولمست من حديثها أن المشروع ليس توثيقيًا فحسب، بل يحمل طابعًا إنسانيًا؛ يوثّق الذاكرة الجمعية التي كانت تُروى شفاهة، ويحولها إلى مادة علمية مصورة، دقيقة، تحفظها الأجيال القادمة.

وتتضح أهمية الكتاب أيضًا من كونه لا يكتفي بسرد الأنماط والأنواع، بل يسعى لتفسيرها وربطها بجذور ثقافية ممتدة. فالبسام تُبرز التأثيرات الإسلامية في الزخارف، وتشرح كيف أن البيئة والمعتقد والدور الاجتماعي للمرأة أو الرجل، كلها عوامل انعكست على الشكل والتطريز واللون.

وسلّطت البسام الضوء، في أكثر من موضع، على تأثير البيئة الجغرافية في تشكيل الأزياء؛ فالمناخ، والموارد، والعادات الاجتماعية، والدين، كلها تضافرت لتكوّن هذا الذوق المحلي الذي تميزت به كل منطقة سعودية. وضمن ذلك، تقارن بين أزياء نجد، وأزياء الجنوب، والشمال، والحجاز، والشرق، وتوضح كيف صبغت كل بيئة ملابسها بلونها، وحرارتها، وظروفها.

هذا الجهد التوثيقي لم يكن ليكتمل لولا الدعم الذي حظي به المشروع من دارة الملك عبدالعزيز، التي آمنت بأهمية حفظ هذا الجانب الثقافي المهم. ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى الدكتور فهد بن عبدالله السماري، الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز، الذي قدّم لهذا العمل، واحتضن المشروع ضمن خطة شاملة لتوثيق الأزياء في مختلف مناطق المملكة، إدراكًا منه أن الهوية الوطنية لا تُصنع فقط بالكلمات، بل بالصور والأنسجة والقصص الصغيرة المخبأة في خزانة كل بيت سعودي.

كتاب الدكتورة ليلى البسام ليس فقط مرجعًا في الأزياء، بل مرآة لذاكرة ثقافية تراثية تستحق أن تُكتب بهذا الجمال،هذا العمق، وهذا الإخلاص.

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط