المؤتمر السنوى للجمعية الأفريقية لزراعة الأعضاء:
المنظومة المتكاملة لزراعة الأعضاء تضمن قضاء تاما على ظاهرة تجارة الأعضاء

تعتبرقضية زراعة الأعضاء والأنسجة والخلايا الجذعية ليست شأنًا طبيًا فقط، بل أصبحت اختبارًا حقيقيًا للعدالة الصحية، ومرآة لثقافة التضامن المجتمعي تسارعت في العالم تقنيات الجراحة ونقل الأعضاء، بينما لا يزال المئات من أبناء هذا الوطن يفقدون حياتهم سنويًا بسبب غياب نظام وطني فعّال، قائم على الشفافية، ويمنح كل مريض فرصة متساوية للحياة
إلى تغيير ثقافة وترسيخ قيم جديدة تؤمن بأن الموت لا يعني النهاية، بل يمكن أن يكون بداية حياة لآخرين.
من هذا المنطلق أقيمت فاعليات الملتقى السنوي للجمعية الأفريقية لزراعة الأعضاء حيث تحدث الدكتور جمال سعدى استاذ الكلى بجامعة القاهرة ورئيس الجمعية عن الهدف الرئيسي والمستدام الذى يتمركز حول التوعية بالأمراض وأفضل سبل لعلاجها ، لافتاً إلى حالات المرضى المصابون بتليف فى الكبد او الكلى أو اى عضو حيوى لديهم ، ويمثل اللجوء لزراعة الأعضاء افضل علاج لحالتهم ، خاصة وأن ذلك ما تتبعه معظم الدول الأفريقية والعربية ، مشيراً انه فى ظل وجود أعداد كبيرة من المرضى المحتاجين للزراعة فى مصر وعدم توافر العدد الكافى من المتبرعين، تأتى أهمية تطبيق زراعة الأعضاء من المتوفين حديثاً وفقاً للضوابط والاشتراطات التى حددها القانون المصرى الخاص بزراعة ونقل الاعضاء ( قانون رقم 5 لسنة 2010) ، والذى يحتوى على كافة الاشتراطات والتقنيات الخاصة بالتبرع بدءاً من تشخيص وفاة جزع المخ وحتى القيام بعملية التبرع لمن يوصى بذلك ، ويعد الهدف الأسمى بالتبرع من حديثي الوفاة هو توفير أعضاء لا يمكن أخذها من المتبرعين الاحياء، ونقلها يمثل وهي حياة للآخرين كالقلب والبنكرياس والأمعاء والقرنية
وتحدثت الدكتورة مى حسب الله استاذ الأمراض الباطنية والكلى ـ طب القصر العيني ورئيس اللجنة العلمية بالجمعية الأفريقية لزراعة الأعضاء والرئيس السابق للجمعية المصرية لأمراض و زراعة الكلى عن أعداد المترددين على وحدات الغسيل الكلوي بمصر وصل أكثر من 60 ألف مريض ، فيما يتم الزرع لحوالى 1500 حالة منهم كل عام، وذلك يعكس مدى المعاناة التى يعايشها كل تلك الأعداد ويعانون من توقف تام لحياتهم الأسرية والعملية، وكثير منهم فى اعمار صغيرة ومتوسطة، فإذا نظرنا بعين الإعتبار لتنفيذ آليات منظومة التبرع بالأعضاء من المتوفين حديثاً سينهى معاناة الآلاف من المرضى، واستعرضت حالة فتاتان توأم لا تتجاوز أعمارهما الثمانية أعوام وبعد الفحوصات الطبية اللازمة تبين اصابتهن بفشل كلوي تام يستدعى إجراء زرع كلى ، وهو الأمر الذي جعل والدهما ووالدتهما يتخذان قراراً بالتبرع للفتاتين فى أسرع وقت، وبعد اعداد الأوراق والفحوصات اللازمة يشاء القدر أن يصاب الأب فى حادث مروع أدى إلى وفاة جزع المخ، ومن هنا كان القرار المنطقى والطبيعى أن تطلب الام أن يتم نقل الكليتين من الأب المتوفى لأبنتيه نزولاً على رغبته وسعيه فى ذلك قبل وفاته .. ولكن ما تم هو الرفض المطلق من اتخاذ هذا الإجراء من أهل المتوفى، (ضاربين عرض الحائط برغبة المتوفى الحقيقية قبل وفاته ، ومتشبثين بأعراف مغلوطة تتنافى مع جوهر وعمق الدين ، ومتناسين أن التبرع فى الأصل هو وهب حياة للآخرين ، فمن ناحية سوف ينهى معاناة يومية من الغسيل الكلوي وآلامه، ومن ناحية أخرى يساعد التبرع فى غلق باب تجارة بيع الاعضاء ويكفل للجميع رعاية صحية أفضل، وبسبب تلك المعتقدات والافكار المغلوطة) وضعت الأم فى حيرة لمن تعطى كليتها ؟فكلا الفتاتان تحتاجان للزرع، وليس لديها متبرع آخر !
وهذا يجعلنا نعود إلى سبب هذا الرفض القاطع فى نقل الكلى إلى فلذة كبدهم، وربما لا يفهم البعض أن وفاة جزع المخ هى وفاة لا رجعة فيها، أو ربما الذى عرض عليهم النقل لم يراعى الحالة النفسية و لم يشرح لهم الشرح الوافى و لم يعطهم الوقت الكافى لإستيعاب الأمور.
أو قد يكون فقدان الثقة فى الطبيب المصرى و خاصة فى مجال الزراعة، و الذى أدت اليه للأسف ال media بشكل فذ، مصورا أن هؤلاء الأطباء عديمى الضمير، متناسيا أن الغالبية العظمى من الأطباء تتفانى فى خدمة المريض بشكل منقطع النظير، و أن الطبيب المصرى تتكالب عليهم الدول المختلفة، العربية و الإفرنجية للإبقاء عليهم لديها للكفاءة و مراعاة الله فى تعاملهم مع المرضى
، وبكل أسف حتى الآن، فى العالم الذى تتوفر فيه خدمة زراعة الأعضاء، يظل المريض المصرى الذى يحتاج لعضو للإبقاء على حياته، هو الوحيد، الذى لا يجد من يتبرع اليه، فى بلد اتصف أهلها بالعطاء و الكرم و الإيثار .
فيما أوضح الدكتور كريم ابو المجد رائد جراحات الجهاز الهضمي والامعاء ومستشار رئيس الجمهورية للشئون الصحية أن المؤتمر يعتبر خطوة هامة على الطريق للشعوب الأفريقية للنهوض بزراعة الاعضاء على غرار الدول الأوروبية وامريكا الشمالية، وانه ان الاوان أن تحتل قضية زراعة الأعضاء من حديثي الوفاة الهدف الأسمى للجميع ، حيث يمثل هذا التوجه إنقاذ لملايين المرضى فى القارة الأفريقية المصابين بفشل أحد الأعضاء ، فالقارة الأفريقية ومنها مصر هى اصل الحضارة ، ويستحق مواطنيها أن يتمتعوا برعاية صحية فائقة ، وخاصة أن الحكومة المصرية ووزارة الصحة المصرية تقدمان كافة اوجه الدعم اللازم ، وذلك ما يعكس رؤية القيادة السياسية الحكيمة والواعية بوضع قضايا الصحة على رأس قائمة الأولويات القومية.
على الجانب الآخر قدم الدكتور احمد الصباغ استاذ زراعة الأعضاء ـ جامعة بيتسبيرغ- امريكا ورئيس الحملة القومية (تبرع حياة ـ مصر) قراءة شاملة عن الحملة التى تعد مشروعا وطنيا متكامل يضع أول لبنة في نظام شامل للتبرع بالأعضاء والأنسجة والخلايا الجذعية، قائم على القانون والعلم والأخلاق والتوعية المجتمعية ،مؤكداً على أن هذة المبادرة التى تنسجم مع التوجهات الاستراتيجية للدولة المصرية نحو تعزيز جودة الرعاية الصحية وتحقيق العدالة الصحية، بمشاركة كوكبة من القامات الطبية والعلمية البارزة من مصر والعالم، يعملون معًا بروح من الالتزام والتكامل لدفع هذه الرؤية قدمًا.
وركز الصباغ على أهمية زراعة الأعضاء في الأطفال التى تعتبر مسئولية طبية ووطنية ، فهى ليست مجرد عملية بل رحلة علاجية طويلة تتطلب تكاملًا علميًا وإنسانيًا بين كافة التخصصات، وان دعم هذه المنظومة هو استثمار حقيقي في صحة الوطن ومستقبل أبنائه، وفي ظل محدودية التبرع ونقص البرامج المتخصصة، كيف يمكن لمصر أن تطور منظومة زراعة الأعضاء لدى الأطفال وتمنحهم فرصة متساوية في الحياة؟
لذا تعد زراعة الأعضاء لدى الأطفال من أكثر المجالات الطبية تعقيدًا، ليس فقط بسبب دقة الجراحة وصغر حجم الأعضاء، ولكن أيضًا لحاجتها إلى فرق طبية متكاملة من تخصصات متعددة، تشمل جراحة الزراعة، التخدير، طب العناية المركزة، أمراض المناعة، التغذية، التأهيل النفسي، والتمريض المتخصص، لافتا أن زراعة الأطفال في مصر ليست خيارًا طبيًا فحسب، بل قضية أمن قومي، تتطلب استثمارًا وطنيًا مستدامًا في بناء منظومة متكاملة قادرة على إنقاذ أرواح الأجيال القادمة.
ولضمان زراعة ناجحة وآمنة للأطفال، يجب أن يتوفر فريق طبي عالي التدريب والكفاءة، يجمع بين الجراحين وأطباء الأطفال المتخصصين في الفشل العضوي، وخبراء المناعة، وخدمات الدعم النفسي والاجتماعي، بنية تحتية متقدمة تشمل غرف عمليات مخصصة، وأجهزة مراقبة دقيقة، ووحدات عناية مركزة مؤهلة للأطفال، برامج تأهيل وتدريب وطني للأطقم الطبية والتمريضية في مجال زراعة الأعضاء لدى الأطفال، تعاون بين المراكز الكبرى لتبادل الخبرات ووضع بروتوكولات موحدة تتناسب مع الأعمار المختلفة واحتياجات النمو.