رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم أنس الرشيد : الفيزيائي الصوفي

هير نيوز

بقلم أنس الرشيد: الفيزيائي الصوفي.. هل التعمق بالفيزياء شغف بالحياة، بالمادة وأرقامها وحركاتها؟ أم أنَّ من غاص في بحر الفيزياء يبحث عن الغياب، عن الفناء، عن الموت؟ منشأ هذه المفارقة أنَّ الرغبة المطلقة في الكشف الفيزيائي تُوصِل الفيزيائي إلى نزعةٍ انتحارية يتجاوز بها عقبات الكشف البطيء؛ فالرغبة في أن يعرف تتحول إلى رغبة في أن يتخطى جسده، إلى رغبة في أن يُصبح جزءًا من الظاهرة لا راصدًا خارجيًا لها.

بقلم أنس الرشيد: الفيزيائي الصوفي.. أتذكَّر هنا ستيفن هوكينج، ذلك الإنسان الذي يتآكل جسده كلما اقترب من تفسير الكون، وكأنَّه أبرم اتفاقًا مع الكون والطبيعة: كلما زادت معرفته بالكون نقصت عضلة منه حتى صار رمزا للفيزيائي الذي سار ذهنه بسرعة الضوء فتقزم جسده حتى انفجر ميتًا في كرسيه المُتحرك كأنه الكون نفسه. هل كانت حياته رغبة في الموت؟ لكن ما الموت في ذهن هوكينج؟ كان ذهن هوكينج يحفر بسرعة الضوء في جدار الوجود ليجد ثقبًا يرى منه ما وراء المادة، وكأنَّه يريد أن يُنهي الثقبَ قبل انتهاء مدة العقد، ولم تكن الثقوب السوداء التي كتب عنها إلا صورًا رمزية لهذا العقد. وربما شرط هذه المفارقة الانتحارية التي عاشها هوكينج أن يكون الفيزيائي فيلسوفًا يصنع لاهوته الفيزيائي من أعماق قلقه الوجودي حين يسأل: «هل للزمن بداية؟ هل إذا عرفنا القانون الكلي للطبيعة سنعرف الله؟» وكأنَّ هوكينج يقول لنا إنَّ مفارقة الانتحار عند الفيزيائي الفيلسوف هو أن يفنى في المعادلة ليرى ما وراءها كما يفنى الصوفي في الله ليرى الحقيقة، كلاهما يرى أن الحقيقة الكاملة لا تتسع لها هوية محدودة، ولا جسد فانٍ، وإذا كان الصوفي يكتب بلغة الشوق والمحو فإن الفيزيائي الفيلسوف يكتبها بلغة الموجة والجاذبية والحقول الكهربائية والمغناطيسية. 

بقلم أنس الرشيد: الفيزيائي الصوفي.. وما بين التنافر والتجاذب الكهربائي إلا شحنات صوفية تحركت في تيار نحو الانتحار كما يريده هوكينج؛ إذ كل من يتأمل في الكون ولحظته الانفجارية الكبيرة، ومعنى الزمن، ولماذا يتمدد الكون وإلى أين يذهب، فإنما يسأل عن نفسه لماذا أتيت؟ وإلى أين ذاهب؟ هل أذهب كما يذهب الكونُ إلى ربه ليهديه كما قال أستاذ العقيدة ذات يوم، أم أنه ذاهب إلى مصيرٍ كمصير هوكينج، كبر ذهنه وصغر جسده، فلا يستطع أن يموت إلا بانفجار آخر يُوسّع الزجاجة ليموت موتًا جديدا يُسوغ عودته ويبني زجاجته مرة أخرى؛ فليس السؤال الفيزيائي حين يُساق إلى نهايته إلا مرآة وجودية. 

بقلم أنس الرشيد: الفيزيائي الصوفي.. وربما لم يفعل هوكينج شيئا إلا أنه أعاد سؤال الموت، لكن دون جنازة وقبر وبكاء، بل وضعه وسط معادلة وسرعة وثقب أسود يجذب المادة والمعنى؛ ليُخفي كلَّ شيء عَمّن لا يطلب الموت.

التفاتة:

لن تجد صمتًا بديعا ساحرا كصمت الفيزيائي والصوفي؛ لأنه وسط تعبر الحقيقة من بوابته.

بقلم أنس الرشيد: الفيزيائي الصوفي

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط