«سفيرة من نوع خاص».. «عبير العتيبة» غيرت نظرة العالم للمرأة العربية
الثلاثاء 09/فبراير/2021 - 04:54 م
رضا يوسف
اعتبرها النقاد مثالاً لامرأة الشرق الأوسط، التي تتحدى القوالب النمطية، باختراقها قطاع يهيمن عليه الذكور في العالم العربى، ولكنها أرادت أن تثبت أمرًا وتقدم مثالاً على ذلك، فنجحت في ترك بصمة واضحة في مجال الهندسية المدنية بمصر والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية، لتثبت أقدامها، وتقف على أرض صلبة تنطلق منها لمجال أخر، أكثر تميزًا وإبداعًا، وهنا تعكس الصورة والقيمة الحقيقية للمرأة العربية بشكل عام، والمصرية على وجه التحديد.. إنها "عبير العتيبة"، المصرية التي دخلت بيوت الأزياء العالمية، وأصبح لها ماركتها التي دمجت الموضة بالثقافة العربية.
عبير العتيبة، ولدت ونشأت في الإسكندرية، كابنة لأسرة عادية معتدلة متفتحة بقدر كاف لإرسالها إلى المدرسة الكاثوليكية الفرنسية، وبعد إتمام دراستها العليا في الهندسة المدنية، أتقنت اللغة العربية والفرنسية والإنجليزية، وهي اللغات التي كان من الضروري إتقانها لتأمين أول وظيفة لها بعد التخرج، والعمل لدى شركة “أوراسكوم تليكوم” المصرية كمهندسة مدنية، ثم انتقلت إلى الإمارات العربية المتحدة، وبدأت حياتها المهنية كمهندس مدني.
تزوجت من يوسف العتيبة، سفير الإمارات بواشنطن، وأحد الشخصيات المؤثرة في أروقة صناعة القرار بواشنطن، فى عام 2010، وعاشت معه فى مك لين، فرجينيا، الولايات المتحدة، وأنجبت منه، ابنها "عمر"، وابنتها "سامية"، وذلك عندما اجتمعت معه، معلنين بدء مرحلة من الرومانسية خلال أول لقاء جمعهما في فندق بدبي، حيث عرض عليها الزواج عندما تم تكليفه بالعمل في الولايات المتحدة الأمريكية في يوليوعام 2008.
وكان هذا التعيين مهم جدًّا في الوقت الذي توترت فيه العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والإمارات، في أعقاب الجدل الذي أثارته صفقة موانئ دبي العالمية، مع تحرك الكونجرس الأمريكي لمنع إتمام الصفقة، وكان الانتقال إلى واشنطن بمثابة صدمة ثقافية لعبير، وكان مروعًا بالنسبة لها، فكانت وحيدة تمامًا.
ومن أبرز مشاريعها العملية فى مجال الهندسة المدنية، بناء الأبراج الخلوية في باكستان والكونغو وتشاد وسوريا، والتى قد تعرضت للحرارة الشديدة، وكانت هي المرأة الوحيدة بين العمال من جميع أنحاء العالم فى ذلك الوقت وكلهم يرددون: “ماذا تفعل هذه الفتاة هنا .!، وبعدها نقلت حياتها المهنية إلى دولة الإمارات، حيث عملت على إنشاء تلفزيون “إنفينيتي” في دبي وجزيرة “الريم” في أبوظبي.
وانتقلت "عبير"، من مجال الهندسة المدنية ، لتمارس هواية لازمتها على مدار سنوات عمرها، فكانت تهوى الرسم وتصميم الأزياء، وحولت الحلم إلى حقيقة وواقع ، عندما افتتحت المصممة المصرية متجرها المؤقت في جاليري لافاييت في دبي مول، وعرضت فيه مجموعة ريزورت 2020 ، التي تتميز بطابع راق وعصري، وبرعت في تصميماتها التى تستمدها من الثقافة الفرنسية التي تأثرت بها، ومن جذورها المصرية ومعالم الحياة الإماراتية التي طبعت أسلوبها وتجلى تأثير الخليج عليها، من خلال طابع الجلامور الذي يحيط بأزيائها من خلال استخدام البرق والخرز والباييت والريش، وتفنّنت بالكورسيه البراق المحبوك باليد وبالفساتين غير المتجانسة بقصاتها والتي نسقتها مع سروال ضيق.
وأطلقت المصممة ماركتها وأسمتها "سمسم" ، فى عام 2014، تيمناً بابنتها سامية التي كانت تطلق عليها لقب سمسم، ولم تقتصر رغبتها فى تأسيس هذه الماركة على شغفها بعالم الموضة فحسب، وإنما جاءت لرغبتها فى بناء "منصة إبداعية متميزة"، تقوم فى جوهرها على الوعي بأهمية الفكرة التي تنادي بدعم السيدات بعضهن لبعض، وتسليط الضوء حول هذه المسألة وتعزيز انتشارها في المجتمع.
وتضم الماركة خط ريزورت والخط الجاهز المائل إلى الراقي، والأكسسوارات من حقائب صغيرة وأحذية، إضافة إلى خط خاص بالأطفال، وقد لاحظت عبير أن السوق المحلي لا يحتوي على خط للملابس للأم وابنتها معًا، فهي تستطيع تنسيق ملابس زوجها مع ابنها، ولكن الأمر يختلف بالنسبة للأم والابنة، لذلك أنشأت ماركتها الخاصة لتستطيع المرأة أن ترتدي الزي نفسه مع ابنتها، فأطلقت عبير خط تصميم جديد في عام 2017، والتي توجه للأمهات الأنيقات وبناتهن، ومن عالم الطفولة انتقلت بعد نجاح التجربة إلى عالم الكبار، وتوسعت فيه وهي تعرض اليوم ضمن أسبوع الموضة في نيويورك.
وصفتها “هاربرز بازار” إحدى أهم مجلات الموضة والأزياء العالمية، إنها سفيرة من نوع خاص، حملت على عاتقها مهمة كبيرة، ألا وهي تغيير النظرة العالمية للمرأة العربية، فترى أن المرأة بدورها سفيرة للإسلام والعالم العربي، وهي أقوى الأصوات في الغرب ،لأنها تتيح للناس في الولايات المتحدة وأوروبا رؤية مفادها " أننا لدينا قيم مشتركة”، كما أن الطريقة التي تتعامل بها المجتمعات مع النساء ،هي أفضل مؤشر على كم الحرية التي يتمتعن بها.
لعب العمل الخيري دورًا مهمًا في حياتها، فهي تدعم الجمعيات الخيرية التي تعمل على تحسين حياة النساء والأطفال في جميع أنحاء العالم، مثل المركز الطبي الوطني للأطفال، وHope for Henry، ورابطة تنمية المرأة وتحسينها.
وتؤمن بتمكين المرأة، لبناء مستقبل أفضل وتحسين ظروفها المعيشية، لذلك تتبنى من خلال جمعيتها نشاطات خيرية تصب في هذا المجال، وتتعاون مع جمعيات خيرية وإنسانية، لدعم تعليم الفتيات وتحسين مستواهن الاجتماعي، ونجحت في ترسيخ ماركتها في الأراضي الأمريكية، بدليل إقبال العديد من النجمات على ارتداء تصاميمها، ومنهن جيجي حديد، وأوليفيا كولبو، وكيري واشنطن، وبلايك لايفي، وغيرهن من المشاهير اللواتي شوهدن يرتدين بزهو تصاميمها.
وتعاونت مع مؤسسة "KANGEL H INTERNATIONAL" ، لصاحبتها آنجل هوماوو، التي أسّستها الأخيرة في موطنها مدغشقر لتأمين عمل ومدخول ثابت للنساء العاملات بالأشغال الحرفية، إذ يستغرق تطريز ثوب مع عاملة نحو 35 ساعة، وغالبية الأمهات العاملات، إما أرامل أو أمهات عازبات كما تتعاون مع منظمة NATION OF DOLLS في الفيليبين التي تهتمّ بصناعة الدُمى باليد.